لم ينتظر اميل حبيبي أن تكرمه شفاعمرو.. رقد على رجاء الحلم قبل 19 عاما في 2 أيار 1996، بقي في حيفا ونسيته شفاعمرو.. أطلقت بلدية حيفا اسم اميل حبيبي على ميدان قريب من وادي النسناس.. وتجاهلت بلدية شفاعمرو الموضوع.. فاميل حبيبي لم يعد خلفه حزب يسعى لتخليد اسمه، ولم يترك مؤسسة تخلد اسمه، ولم يكن ابن عائلة ذات نفوذ، فطواه النسيان الشفاعمري الجاحد، وما نسي أبو سلام الوفي تخليد شفاعمرو في أدبه.
اميل حبيبي من جذور شفاعمرية اعتز بها، ربطته علاقات وثيقة بأبنائها وأعلامها، طالما تجمع الشفاعمريون ليستمتعوا بخطاباته الساخرة، اللاسعة، المثقفة.. في كل زيارة له تحلق حوله الصدقاء والمحبون، ومن أواخرها في منزل الشاعر المرحوم الصديق ماجد عليان، استذكر أبو سلام جذوره وسأل عن البيت والحارة والأشخاص، سأل عن شفاعمرو وكانت حاضرة في أدبه.. لكن شفاعمرو لا تذكر.
ربما وحدها رابطة الجامعيين، التي لحقت بعد سنوات باميل حبيبي وطوتها الذاكرة الشفاعمرية.. وحدها تذكرت وذكّرت. بعد نصف عام على رحيله نظمت أمسية تكريمية لذكراه، بمشاركة توأم روحه، الفنان محمد بكري ورائعته الخالدة "المتشائل". وفي الذكرى السنوية الأولى لوفاته أقامت أمسية ثانية، شارك فيها الفنان محمد بكري والأديب سلمان ناطور والسيد ابراهيم نعوم والفنان الشفاعمري الراحل مروان عوكل وآخرون.
وحدها نادت "ولا حياة لمن تنادي".. صوت صارخ ولا جواب إلا الصدى.. كما سبق وأنشدت لنا فيروز " لا تندهي ما في حدا".. ورغم ذلك قرعت الرابطة "جدران الخزان"، فأرسلت الرسالة الأولى لرئيس بلدية شفاعمرو المرحوم ابراهيم نمر حسين، يوم 20/20/1997 تطلب فيها باطلاق اسم اميل حبيبي على احد المرافق او احدى المؤسسات في شفاعمرو، وجاء في تعليل الطلب "ان اميل حبيبي علم أدبي وفكري من أعلام شعبنا، ولا حاجة بنا الى شرح مكانة اميل حبيبي الأدبية والفكرية والسياسية، اضافة الى ذلك فان مطالبتنا تنبع بالأساس لانتماء اميل حبيبي الى شفاعمرو، الذي اعتز دائما وأشاد بانتمائه لشفاعمرو مؤكدا على أن جذوره تعود اليها، كما انه جاء على ذكر شفاعمرو في أدبه ومؤلفاته، وقد ساهم – بلا شك- في نشر اسم شفاعمرو في أرجاء المعمورة".
وعادت لتوجه رسالة مماثلة لرئيس بلدية شفاعمرو الأسبق، السيد عرسان ياسين بتاريخ 2/3/2000 وحددت طلبها هذه المرة باطلاق اسم الأديب اميل حبيبي على أحد شوارع المدينة مع تحديد الشارع.
وبعد تماوت الرابطة، بادر الصحفي سميح غنادري مع كاتب هذه السطور، بتجديد الطلب من رئيس قسم الثقافة والفنون السابق السيد أحمد حمدي، وكان وعد باطلاق اسم الأديب اميل حبيبي على قاعة البلدية، وفعلا تقدم حمدي بطلب الى لجنة التسميات بإطلاق اسم الأديب والمناضل الفلسطيني المخضرم إميل حبيبي على قاعة بلدية شفاعمرو.
"وجاء في الطلب ان الكاتب المبدع، إميل حبيبي، ابن شفاعمرو، ومن حق هذه المدينة أن تحتفي به وتكرم ابنها البار بمناسبة مئويتها وان يطلق على قاعة البلدية اسم: قاعة إميل حبيبي للثقافة والفنون". (موقع الجبهة 21 أيار 2010).
وانتهى عهد الرئيس السابق ناهض خازم، وكانت كتلة الجبهة في ادارته. ودخلنا في عهد الرئيس الحالي أمين عنبتاوي، وما زالت شفاعمرو تنتظر أن تكرم ابنها وأديبها اميل حبيبي، باطلاق اسمه على أحد مرافقها، فهل يتم ذلك في العام القادم مع حلول الذكرى السنوية العشرين لوفاته، أم سيمضي هذا العهد كما العهود السابقة؟!
ومن يبحث مثل "توما" عن دليل لذكر شفاعمرو في أدب اميل حبيبي فليعد لمؤلفاته، وليجوجل في الشبكة العنقودية ليتأكد من ذلك، ومن أن كتاب سيرته الذاتية ذكروا أصله الشفاعمري وهذا بفضل اديبنا ذاته الذي أثبت ذلك في سيرته.
واذا عدنا على سبيل المثال الى روايته " خرافية سرايا بنت الغول"، لوجدناه يذكر شفاعمرو في أكثر من مكان اما تلميحا أو تصريحا، وأورد فيما يلي نماذج لذلك لنعاين كم يعتز اميل حبيبي بجذوره الشفاعمرية. ففي صفحة 31 يروي عن ولادته فيقول " ولد في وسط واد، ينبع من الجبل ويصب في البحر، توا بعد انتقال والديه واخوته من القرية البرية الى المدينة البحرية" وهنا نراه يتحدث عن البلدان تلميحا ويشرح في نهاية الصفحة المقصد، فالقرية البرية هي شفاعمرو.
وفي صفحة 44 يتحدث عن الرمان فيقول "والشنبا هو الرمان الأمليسي. وفي شفاعمرو يسمونه المليسي". وفي صفحة 57 يتحدث عن مأساة أودت بثلاثة شفاعمريين دهسا خلال شهر واحد. ويعود الى ذكر شفاعمرو في صفحة 102 وفي صفحة 104 يروي لنا حادثة مغارة الذهب التي كنا نسمعها ونحن أطفالا وفي صفحة 111 يذكر الأصالة الشفاعمرية واليهود الذين عاشوا فيها والعلاقات بين ابنائها.
سبق وأطلق اسم توفيق زياد ومحمود درويش وكمال جنبلاط على شوارع رئيسة في شفاعمرو، ولنا الفخر أن تحمل شوارعنا أسماء كبار الشعراء والكتاب، لكن فخرنا يبقى منقوصا ما لم يكن اسم اميل حبيبي الى جانبهم.
• الاستشهادات من كتاب "خرافية سرايا بنت الغول" من اصدار دار عربسك، الطبعة الأولى 1991- حيفا.
(شفاعمرو- الجليل)
[email protected]
أضف تعليق