نادر أسعد لوباني باق مدى الدهر يسكن في قلوبنا وعقولنا ويعيش معنا في لحظات الكفاح والتضحية والعطاء .
في أواخر سنوات الخمسين (سنوات 57-58 ) من القرن الماضي ، دخل الى مدرستنا في يافا الناصرة
الكائنة في بناية السيد سلامة أبو حاطوم ، التي تقع على الشارع الرئيسي للبلدة ، وكنا في الصف الثامن أي في نهاية المرحلة الابتدائية ، دخل الى المدرسة شاب وسيم ألذي يكبرنا بقليل ، وقبل أن نبادر بالسؤال من هو هذا الشاب ، وماذا يفعل هنا ؟ جاء الجواب : هذا هو الاستاذ الجديد ، من بلدنا . ويدعى نادر أسعد لوباني ، تلقينا الجواب وقبلناه بأدب ، وبدأت في تلك اللحظة علاقتنا ومعرفتنا بنادر لوباني ، وبما أن السنة الدراسية كانت في نهايتها ، انقطعت العلاقة وباتت متقطعة ، وكوننا انتقلنا الى المدرسة الثانوية في الناصرة ولأن المعلم الجديد قد أنهى عمله في هذا المجال ، لا بل أنهت المعارف عمله لأنه شيوعي . كما تم فصل أخيه الاستاذ والشاعر عيسى أسعد لوباني قبل ذلك بسنوات ، ولم تشفع للمدرس عيسى لوباني كل المطالبات باعادته ولا حتى العرائض التي جمعناها من الطلاب بقيادة سليم علي الصالح في حينه . لأن جريمته الكبرى في نظرالسلطة الغاشمة قصائد أنعشت ذاكرة المهجرين ، وأشهرها قصيدة يصف فيها التهجير سنة 1948 ومعاناة الفلسطيني الذي يرى بيته المهدوم وبدله بقيت كومة حجارة ، ويسمع المرشد السياحي يقول : هذه الحجارة من أيام الرومان . نادر واخوته عيسى وعادل ، كيف لهم أن ينسوا بيتهم المهدوم ، وهم يرونه يوميا كومة حجارة على قارعة الطريق ، والألم الذي يعتصر قلوبهم عندما تلوح أمامهم بقايا أشجار زرعها والدهم ، ورعوها جميعا مع والدتهم وأخواتهم ورووها ماء من البئر في ساحة الدار ، كيف ينسوا أرضا طالما كانت ملعب صباهم ، وبترابها مرّغوا أجسادهم وثيابهم ، فمن الطبيعي أن يخرج ابن هذه القرية مناضلا عنيدا ، مناهضا لسياسة الظلم والحرمان مقاوما لسياسة الاذلال والتمييز ، مطالبا بحقّه العادل في العودة الى بيته المهدّم والى شجره مخلّع ومقلوع ، والى أرضه التي استولى عليها الغاصبون ، ففي هذا الوضع وفي تلك الظروف ، لا يمكن الا أن يرى نفسه عضوا في الحزب الشيوعي الذي هو عنوان النضال والصمود ، وصقل وتوعية الناس ليصبح منذ نعومة أظفاره مناضلا مثابرا واعيا وصامدا في صفوف الحزب الشيوعي ،لذا فما كان أمامه الّا أن يختار سوق العمل في البناء ، رافضا المساومة عازفا عن أي وظيفة حكومية لأنها كانت في ذاك الوقت مشروطة بالسكوت على الضيم أو أن تقدّم لقبولك للوظيفة خدمة للحاكم الظالم . منذ ذاك الوقت كان نادر شابا طموحا ، مكافحا ومناضلا ، يعمل في النهار في حيفا وجاراتها في تطويع الحجارة مختلفة الأشكال والأحجام ، ليعمل منها رسومات جميلة لبناء جدران حول البيوت ووقاية للشوارع . وبعد يوم عمل شاق وطويل لتطويع هذا الجماد الجامد ، يقوم بالعمل التنظيمي الشاق الأكثر شقاءا وصلابة ، في تجنيد الرفاق لنشر كلمة النضال الصادقة الواعية الصادرة من العقل والقلب الى القلب والعقل ، لتوضيح وسيلة الكفاح وصقل نضال عمالنا وفلاحينا وطلابنا من أهل بلدتنا وجيراننا في البلدات الاخرى ، لمعرفة نيل المطالب وتحقيق المكاسب . رفيقنا نادر انحدر من عائلة عاملة كادحة مكافحة من قرية المجيدل المهجّرة ، التي استوطن أهلها في يافا الناصرة التي احتضنت بحب واخلاص وتفاني العديد من العائلات المهجّرة التي انتكبت قراها بسبب جرائم الهدم والتهجير ،على يد الحركة الصهيونية ، رغم كل ذلك استطاع والده أن يدفع أولاده وبناته الى العلم والمعرفة والعيش الحر الكريم ، فليس صدفة أن يكون انتماؤه قويا ومتينا وصلبا لأهل بلدته وأبناء جلدته ، فكان نادر مناضلا عنيدا ومكافحا صلبا وشهما وفارسا مغوارا عرف كيف يقود الحزب في وقت صعب ، ويسير به وسط الأشواك العاتية التي أحاطته ، متحدّيا كل ظروف الانقسامات التي واكبت تلك الفترة والوصول الى بر الأمان ، لكي يصبح فرعا قويا منظما ناجحا منتصرا في كل المعارك ، وله قاعدة شعبية واسعة وحلفاء صامدين في أعتى وأصعب المعارك أمثال : المرحومين أبو غازي وأبو عطا وأبو سليمان وأطال الله في عمره أبو سابا ، والقائمة تطول الكثير من الجيل الذي واكب المسيرة ويكمل المشوار .
بصدقه وأمانته ودماثة خلقه وصدره الواسع لكل حوار وجدال واحترامه للناس تبوأ في مسيرته مراكز عدة في صفوف الحزب والجبهة ، حيث أثراها بعطائه وخلقه الدمث ، وتتوّج هذا العمل والعطاء عندما اختارته الجبهة في يافا كي يمثلها في المجلس المحلي وأختاره المجلس قائما بأعمال الرئيس خدمة لأبناء بلدته التي احتضنته ، وفي نفس الوقت بقي حافظا لانتمائه لقريته المهجّرة ومخلصا لقضايا شعبه وكفاحه ونضاله لصيانة حقه في العودة الى أرضه وقراه المهجّرة كي يعيد بناء بيوته المهدّمة والى حضن كرومه التي ما زالت في انتظار عودتهم لاحتضانهم . على درب العزّة والكرامة وطريق الشهامة والهامات المرفوعة ، سار نادر لوباني وعلى هذا الطريق ربى أهل بيته وأولاده وبناته ، فكان رمز فخر واعتزاز لهم ولأحفاده .
نم قرير العين يا رفيقنا الغالي ، لأنك تركت وراءك عائلة مكافحة مناضلة ، تكمّل المشوار ليكونوا بكل فخر واعتزاز ، خير خلف لخير سلف . لتكن ذكراك خالدة في قلوبنا ،
[email protected]
أضف تعليق