بغض النظر عن كونك مقاطعاً او مشاركاً في انتخابات الكنيست، لكن لا شك أننا جميعاً تابعنا نتائج انتخابات الكنيست بمقدار مختلف. ولا يمكن التغاضي عن طبيعة انتخابات الكنيست الاسرائيلية التي يلعب فيها الاعلام دوراً لا بأس به وبالمقابل يكون لاستطلاعات الرأي دورها الذي يرافق الانتخابات من لحظة الاعلان عنها قبل ثلاثة اشهر من انعقادها حتى الساعة 22:00 من يوم الانتخابات نفسه وهي الساعة التي تعرض فيها القنوات الاسرائيلية نتائج استطلاع لنفس يوم الانتخابات معتمدةً على اجابات الاف المصوتين الفعليين.
سأحاول وضع بعض الملاحظات في سياق هذه الاستطلاعات في محاولة سريعة لرصد وتحليل ما حدث في هذه الاستطلاعات:
- علينا جميعاً التنبه أن نتائج الاستطلاعات التي كانت قبل الانتخابات، هي استطلاعات التي تقوم بسبر اراء المشاركين حول نيتهم التصويت اذا كانت الانتخابات في نفس يوم اجراء الاستطلاع، وذلك لكوننا لا نستطيع التنبؤ أو التأكد من انماط التصويت الحقيقية يوم الانتخابات نفسه قبل أسابيع او اشهر نظراً للمتغيرات التي من الممكن أن تكون وتؤثر على توجهات المصوتين. فما كان أيام أو اشهر قبل الانتخابات ليس بالضرورة يكون يوم الانتخابات.
- يجب الاخذ بالاعتبار أن هناك عدد من المصوتين الذين شاركوا في استطلاعات ما قبل الانتخابات لم يكونوا قرروا بعد لمن سيصوتون وهؤلاء الاشخاص ممكن أن يغيروا النتائج.
- الاستطلاعات التي كانت ليست هي النتائج النهائية، كما ذكرنا هي نبض الشارع في يوم اجراء الاستطلاع، ولكن لا يمكن نفي حقيقة تأثًر واستغلال الاحزاب المختلفة هذه النتائج فقامت بإجراء حملتها وفق هذه الاستطلاعات وتغير نتائجها من اسبوع لآخر، فكانت النتيجة الحقيقية مرتبطة بعلاقة طردية مع قوة الحملة الانتخابية للحزب المعني بتحسين حالته في ظل ما أفرزته نتائج الاستطلاع في تلكم اللحظة الزمانية والمكانية – زمان الاستطلاع من حيث التوقيت ومكان التجاوب مع الاستطلاع" البلدان"- .. أي مثلاً حزب الليكود أدرك أن الاستطلاعات لم تكن بصالحه واعتماداً عليها كثّف حملته ايام قلائل قبل الانتخابات ويوم الانتخابات نفسه، فكانت الاستطلاعات بمثابة اداة لتغيير الواقع. وفي هذا السياق لا يمكن القول أو الجزم أن نتائج الاستطلاعات قبل الانتخابات كانت خاطئة بل يمكن الجزم أن حملة نتنياهو التخويفية التي بني قسم منها بناءً على نتائج الاستطلاعات التي أعطته نتائج سيئة ايام قلائل قبل الانتخابات قد نجحت.
- بالنسبة ليوم الانتخابات نفسه، الاستطلاعات التي كانت في يوم الانتخابات نفسه وعرضت على القنوات الاسرائيلية فشلت في اعطاء النتائج الحقيقية وخصوصاً فيما يخص حزبي الليكود والمعسكر الصهيوني وهذا يمكن تفسيره بعدة تفسيرات: أولاً نسبة التجاوب القليلة، أو قل غير المرتفعة، التي وفّرها جمهور المصوتين للمستطلعين في هذه الانتخابات (كما ذكر المُستطلعون ذاتهم) وهذا من الممكن جداً أن يؤثر على النسب الحقيقية.. خصوصاً أن الاعلام الاسرائيلي أظهر نتنياهو بصورة بالغة في السوء امام الجهور الاسرائيلي مما قد يجعل البعض ممن صوّت لنتنياهو يحجم عن الاقرار بذلك وخصوصاً امام ذات المستطلعين الذين يرون فيهم جزء من حملة تشويه نتنياهو وهذا يقودنا لسبب ثاني وهو امكانية "الكذب" ، وعدم الصدق في إجابة المشارك في الاستطلاع حول من حاز على صوته في الانتخابات وهذا يحدث في الاستطلاعات ..وقد حدث سابقاً في حملات انتخابية في الولايات المتحدة .ويمكن تفسير ذلك لعوامل نفسية مختلفة منها محاولة تحصيل قبول اجتماعي، وهنا كان التصور العام أنه ليس من المقبول التصويت لنتنياهو.
سبب إضافي لحالة الذهول والمفاجأة التي اعتورت الاعلاميين والسياسيين من نتائج الاستطلاع هو عدم الالتفات لنسبة الخطأ التي ترافق كل استطلاع بشكل عام، والتي يجب أخذها بعين الاعتبار وعدم التغاضي عنها كونه من الممكن أن تغيّر هذه النسبة بعض النتائج.
السبب الاخير في تصوري وقراءاتي للمشهد الانتخابي الاسرائيلي فهو عدم قيام مراكز الاستطلاع بعمل استطلاع ممثل بشكل صحيح للشرائح الاجتماعية المصوتة، ولكن مما يضعف هذا الاحتمال هو أن جميع الاستطلاعات التي كانت أعطت تقريباً نفس النتائج الخاطئة وليس مركز استطلاع دون اخر، ناهيك عن أن هذه المراكز عندها خبرة متراكمة في تصدعات وتفرعات المجتمع وقامت باستطلاعات سابقة كانت ممثلة للنتائج النهائية بشكل كبير.
واخيراً، مما لا شك فيه أن استطلاعات الرأي تبقى وسيلة علمية واساسية معتمدة لمحاولة سبر اغوار الناس وآرائهم في قضايا مختلفة، هذه الوسيلة لم ولن تكون كاملة وسيرافقها بعض الاخطاء ولكن تبقى من أفضل الممكن..
*زميل بحث في وحدة استطلاع الرأي – مركز الدراسات المعاصرة وطالب دكتوراة في العلوم السياسية في جامعة هومبولدت – ألمانيا.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
مقال فارغ، صف حكي وبس!!