سيذهب المجتمع الإسرائيلي يوم الثلاثاء القادم إلى صناديق الاقتراع، كي يدلو الناخب بصوته لمن يمثل باعتقاده المبادئ والافكار التي يؤمن بها، ولكن، ومن جهة أخرى، إلى جانب مؤيدي التصويت هنالك المعسكر المقاطع للانتخابات كلّ لأسبابه: منهم لأسباب عقائدية ومنهم بسبب اللامبالاة من الانتخابات ونتائجها ومدى تأثيرها على أوضاعه, وأضف لكل هؤلاء الذين لن يذهبوا فقط لمجرد استغلال اليوم للراحة أو للنزهة في المنتجعات والأحراش وأماكن الترفيه، لأن يوم الانتخابات هو يوم عطلة مدفوعة الأجر.
أتساءل: ما هو نصيب الفرد العربي بالداخل من هذه "اللعبة الديمقراطية"؟ أعترف أن حدسي يوجهني إلى مقاطعة الانتخابات, تارة بسبب عدم وجود جدوى من تواجدنا بالبرلمان الإسرائيلي وتأثيرنا الضئيل الممكن خلال هذه المؤسسة, وتارة لأن "لا شيء يعجبني". إلا أنني عندما أعمّق التفكير بما اَلت إليه أحوالنا منذ النكبة إلى اليوم، من أسباب ومسببات ودوافع ونتائج وهل كان من الممكن أن تكون النتائج مغايرة لو أننا تصرفنا بطريقة مغايرة، أجد أن شتات أفكاري يوصلني إلى أننا إذا ما قاطعنا الانتخابات وبدأنا بالانطواء داخل حلقة صغيرة مختزلة لا تشمل الا "نحن" – ناهيك عن الخلافات الداخلية بيننا – سوف نجعل أنفسنا بمعزل عن كل ما حولنا وخسارتنا أكبر من خسارة الطرف الاخر من عدم إضفاء لون اخر على شرعيته الدولية.
النقاش الدائر في الشارع العربي في الداخل الفلسطيني, ما بين مؤيد لخوض الانتخابات وممارسة حق التصويت وما بين معارض للمشاركة في هذا العملية السياسية هو نقاش شرعي وليس لطرف به القول الأخير أو الرأي الصواب أو أنه على مجمل الجماهير أن تتبع هذا النهج ضد ذاك, بل أعتقد انه من ثوابت وجودنا سجالنا هذا لكل ما فيه من جدل حقيقي حول اَليات نضالنا لنيل حقوقنا القومية والمدنية حتى لو أننا لم نكن متفقين بكيفية إدارة الصراع مع المؤسسة. ومن المؤكد أن القارئ بات ملمًا بكل طروحات الفرقاء ومن الغباء أن أخوض بها هنا مجددًا.
ولكن، ها أنا اقف اليوم أمام مراَتي أتلمّس أحوالي الشخصية وأحاول الجزم: مع أم ضد الذهاب إلى صندوق الاقتراع يوم الثلاثاء؟
هنالك بعض الجمل التي تكاد أن تكون بكل حديث يدور بين الناس بهذه الفترة: غلاء المعيشة، أزمة السكن، طابور خامس، نحن أو هم، البرلمان الصهيوني، تحالف شيوعي – قومي – إسلامي، معسكر اليمين، الصهاينة العرب، داعش و... (انتبهوا إلى أن لا أحد يتحدث عن القضية الفلسطينية وحل عادل لها وحتى أن كلمة "سلام" تكاد لا تسمع وان سمعت تكون بمفهوم سلبي) ويمكن القول أنه من الصعب أن تجد بهذه النقاشات أمران اثنان يتفق عليهما المجادلون.
وها هي الساعة تقترب وعلّي حسم أمري وبلورة موقفي من كل هذه النقاط، وتحديد أن كان لها فعلًا علاقة بالانتخابات أو أنها الأمور التي عليها أن تحدد توجهاتي السياسية، أم أن كلها محفزات كي ننسى المشكلة الرئيسية.
للتاريخ أقول, لدي الكثير ما يقال على مركبات وتركيبة القائمة المشتركة (ولن أخوض في هذا الجدال الطويل، وكم أسلفت أنا ممن يتفهّم جميع وجهات النظر وحتى تلك التي لا أتفق معها) وأعلم أنه كان بالإمكان إدارة الأمور بطريقة مغايرة وعمل الأمور بنجاعة أكثر وطريقة مغايرة، ولا أخفي على أحد أنني كنت سأستثني بعضهم وأحضر اخرون.
ولكنني أيضًا أفهم المواطن الذي جل همّه أن ينهي شهره دون زيادة ديونه وهدفه الأسمى استمرار الحفاظ على ما تبقى من ماء وجهه حيال تقهقر أوضاعه من يوم الى اخر, وهذا المواطن لم ولن يعوّل أصلًا على عضو الكنيست العربي ليحسن ظروف معيشته لكنه نعم يريد الحياة الكريمة، وليس لدي الا أن أقول له: لو كان القرار بيد الحكومة وحدها ولم نكن لها سدًا منيعًا، لربما كنّا اليوم بمكان اخر وما نحن به الان قد يكون جنّة عدن أمام ما قد كان من الممكن أن يكون.
وكان قراري: سأضع خلافي مع القائمة المشتركة جانبًا، وسأضع وجهة نظري بالعمل الجماهيري والشعبي والبرلماني جانبًا، وسأذهب لأصوّت للقائمة المشتركة يوم الثلاثاء. وللقائمين على القائمة أقول: إيّاكم ثم إيّاكم أن تخذلونا! هذه الانتخابات فرصتكم وفرصتنا.
* الكاتب هو باحث ومحلل اقتصادي وطالب دكتوراه بموضوع الاقتصاد في جامعة حيفا بمجال اقتصاد المجتمع العربي في إسرائيل
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
مقالة ممتازة ومنطقيّة لكل متردّد\ة في التصويت اليوم. إذهبوا وصوّتوا \صوّتن