المعروف انة منذ سنة 1948 حتى سنة 1988 اجريت 12 جولة انتخابات برلمانية في اسرائيل , , اي خلال اربعين عاما , ( معدل كل ثلاثة سنوات ونصف سنة ) ومنذ سنة 1992 حتى اليوم اجريت 8 جولات انتخابية , أي خلال عشرين عاما , ( معدل كل سنتين ونصف سنة ) .
هذة الظاهرة لم تاّت بشكل عفوي صدفة بل هي نتيجة طبيعية وحتمية للصراع العربي الاسرائيلي , فبعد الاحتلال وحدوث نكسة 1967 , وفشل اسرائيل في القضاء على منظمة التحرير الفلسطينية , وبعد اعلان استقلال دولة فلسطين سنة 1988 في مؤتمرالجزائر اثناء الانتفاضة الباسلة , اجبرت اسرائيل على الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية وشرعت المفاوضات معها التي ادت لابرام اتفاقية اوسلو , التي لم تاخذ بعين الاعتبار دور الاقلية العربية في اسرائيل بقصد فصل هذة الاقلية عن الشعب الفلسطيني الام الاّ ان ذلك فشل , لان هذة الاقلية متجذرة في الارض كجذور شجر الزيتون , فالعلاقة الجدلية ( الديالكتيكية ) بين الاقلية الفلسطينية في الداخل والشعب الفلسطيني في الضقة والقطاع هي التي ساعدت حكومة رابين سنة 1992 على توقيع اتفاقية اوسلو حيث منحتها جسما مانعا . وضحّت بمصالحها الجماعية من اجل انجاح المصالحة بين الشعب الاسرائيلي والشعب الفلسطيني في الضفة وقطاع غزة . حتى الان دولة اسرائيل لا تعترف بالحقوق الجماعية للاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل , بالرغم من وجود العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بموجب قرارالجمعية العامة للامم المتحدة سنة 1966 , وعلى الرغم من اعلان الامم المتحدة بشأن حقوق الشعوب الاصلية سنة 2006 , بما في ذلك حق تقرير المصير للاقليّات , لا بل تتنكر اسرائيل لهذة الحقوق الجماعية وتحاول طمسها وقتلها بواسطة قانون " اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " .
فاكبر مشكلتين مصيريتين في اسرائيل , الاولى الدولة الفلسطينية وتحديد العلاقة معها وتحديد حدودها , والثانية الاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل ,
" اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " مجرد المعنى اللفظي لهذا القانون بنفي وجود شعب اّخر في اسرائيل بالرغم من حقيقة وجود شعب فلسطيني اصلاني , اهل هذة البلاد واصلّي منذ القدم , كما يشهد على ذلك التاريخ المعاصر بانة قبل مائة سنة كانت نسبة السكان العرب في فلسطين 99 % من تعداد السكان ويملكون معظم الارض , واليوم يشكلون 20 % من تعداد السكان ولا يملكون سوى 1 % من الارض .
حكومة نتنياهو لم تصمد اكثر من سنة وثمانية اشهر , ليس لاسباب اقتصادية , فالوضع الاقتصادي في اسرائيل جيد جدا , فمستوى المعيشة في اسرائيل ( لليهود ) هو من اعلى المستويات في العالم , كما انة ليس لاسباب اجتماعية وخدمات صحية , وليس لاسباب سياسية داخلية , فجميع التيارات السياسية في اسرائيل متفقة على اجماع وطني شامل لتحقيق مبادئ الحركة الصهيونية , فحزب العمل تحول الى معسكر صهيوني واصبح يهدد وجود حزب ميرتس , وجميع الاحزاب الصهيونية تتنافس على الالتزام بالصهيونية الى حد التطرف ايمانا بمبدا الحركة الداعي الى الاستيلاء على الارض بدعوى ان هنالك ارضا بلا شعب لشعب بلا ارض .
ومن هنا نشب الصراع حول سنّ قانون " اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " , بين الفكر الصهيوني والفكر الديني اليهودي التوراتي , فالفكر الصهيوني يرتكز على الحق التاريخي للشعب اليهودي في ارض فلسطين ولا يعترف بالاّخر فالامر الذي يعتبر خطيرا جدا ويعارض قرارات الامم المتحدة , الا ان الفكر الديني يرتكز على الحق الديني الذي يعترف بالاّخر , زد على ذلك كان بعض القوانين والقرارات الدولية تثيرعند بعض رجال السياسة والقانون حساسية الموضوع على المستوى الدولي والاخلاقي . ومن هذا المنطق رائينا معارضة من جانب بعض الاحزاب على مدى السنتين الاخيرتين والتسبب في بعض التعديلات والنقاشات الاكاديمية والقانونية من منطلق مصالح دولية ومحاور سياسية . على الرغم من التفسير الديمقراطي لمعنى الدولة اليهودية من قبل اكبر المفكرين الاسرائيليين وعلى راّسهم البروفسور روت جبزون . والدليل على ذلك ما قاله زئيب جابوتنسكي , مؤسس مبادئ حركة اللكود والاب الروحي لمناحم بيغن , في كتابة " جبهة الحرب للشعب اليهودي " ص 247 " ---- اقترح ان يكون بكل حكومة فيها رئيس وزراء يهودي ان يكون نائبة عربيا , وبالعكس ------ " اين نحن من هذا الاقتراح ( يتمسكن حتى يتمكن ) .
من الملاحظ ايضا ان المعسكر الصهيوني يتكون من تحالف بين حزب العمل وحزب الحركة من بقايا فكر شارون , وهذا الحزب يفتقر الى زعيم وقائد كرزماتي مثل رابين وبن غوريون , بينما ما يسمى باليمين فهو انفصال عن حزب اللكود , لبرمان , وكحلون , لبيد وبينت , ويقودة زعيم كرزماتي وقّح , يريد مكانا تحت الشمس لوحدة ( قضية وجودية , اتفاقية ميونخ 1938 , الذئب الايراني الذي يريد ان يفترس اسرائيل ) , تحدّى سياسة اسيادة الامركيين وابدى استعدادة لضرب ايران من اجل تاجيل حل القضية الفلسطينية كما حدث في حرب العراق التي تورط فيها الامريكيون . نتنياهو افتعل ازمة الاتفاق الايراني مع الدول الكبرى من اجل تاجّيل حلّ القضية الفلسطينية والاستمرار بالاستيطان وفرض الامر الواقع وهو على استعداد للتفاوض العبثي ليس 20 عاما كما قالها شامير بل 200 عام ( بذلك يدب الرعب والخوف في الشعب اليهودي , مثل قصة الذئب ) . لانه يدرك بصورة قاطعة " ان الاراضي الفلسطينية والشعب الفلسطيني كنز ومنجم ذهب لدولة اسرائيل وثرائها " وهذا حسب المعطيات الاسرائيلية , حيث تحصل دولة اسرائيل سنويا على ما قيمتة مليارد دولار من الحجروالرخام , ومليارد دولار من مياة الضفة الغربية , مليارد دولار من استعمال الجو الكترومغناطبسي للاراضي الفلسطينية , ومليارد دولار من معادن البحر الميت والقوى البشرية للشعب الفلسطيني , أي ما مجموعة اربعة مليارات دولار أي ما يساوي الموازنة السنوية للسلطة الفلسطينية . بكلمات اخرى يتضح ان الاحتلال ليس فقط احتلال وتوسع واستيطان , وانما مشروع اقتصادي مربح , فكل مشروع اقتصادي يبدا باستثمار راس المال من اجل شراء اصول للانتاج , اما اسرائيل تربح المال بدون استثمار .
ما يريدة نتنياهو هو مصادقة واستفتاء ودعم الشعب له على برنامجه وهو الاستمرار بالمفاوضات العبثية دون سقف زمني من اجل الاستيطان وخلق امر واقع , لان من خلال المفاوضات في 20 سنة الاخيرة كسب هدوء الاقلية الفلسطينية داخل اسرائيل حيث لم تطالبه بالحقوق الجماعية وذلك لاتاحة الفرصة للتوصل الى تسوية مع اخوتهم في السلطة الفلسطينية . لذلك عرض مشروع " اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " , عملا بالمثل " , صيّد عصفورين بحجر واحد ".
ومن خلال ازمة الخطاب في الكنغرس تبّين ان المعلومات السرية في المحادثات في اوربا بين الجانب الايراني والجانب الامريكي كانت تصل لنتنياهو قبل ان تصل الى البيت الابيض , وعلية فمن غير المستبعد انة قد وصلت المعلومات الي نتنياهو عن عزم اوباما تحريك الازمة الفلسطينية الاسرائيلية في الاشهر القادمة , وفي حالة فوز نتنياهو في الانتخابات في الاسبوع القادم , وهو امر محتمل , فمن غير المستبعد ان يقوم نتنياهو بضرب المفاعل النووي الايراني من اجل تاجيل حل القضية الفلسطينية وتمرير قانون " اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي " .
لذلك وبعد فشل اتفاقية اوسلو , و اضاعة 20 عاما هباء حان الوقت للاقلية الفلسطينية في الداخل ان تنتزع الحقوق الجماعية وعدم الاكتفاء بالحقوق الفردية والمساواة من خلال نضال جماهيري واسع عبرالقائمة العربية المشتركة , لجنة المتابعة , رؤساء السلطات المحلية , الحركة الاسلامية الجنوبية , حركة ابناء البلد وجميع القوى الوطنية السياسية والاجتماعية , ولجنة المتابعة الدرزية , وذلك من خلال نضال وكفاح في ستة محاور رئيسية :
1. مناهضة قانون اسرائيل دولة قومية للشعب اليهودي
2. كسب الرأي العام الاسرائيلي , والرأي العالمي
3. التوجه للمحاكم الاسرائيلية
4. التوجة للاتحاد الاوروبي , ومحكمة ستراسبورغ
5. التوجة االامم المتحدة
6. التوجة للولايات المتحدة الامريكية
التجربة الماكدونية :
في سنة 1991 اعلنت الدولة الماكدونية عن اقرار قانون يعرف ماكدونيا " دولة قومية للشعب الماكدوني " وعلى اثرها عارضت الاقلية الالبانية هذا القانون بصورة قاطعة , وادّعت ان هذا القانون يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية ويبعدهم عن مركز القرار , وهذا الشعور بالتمّيز والعنصرية اشتدّ حتى سنة 2001 حينما وصلت نسبة الالبان الى 25% من نسبة السكان , ولم يحصلوا الاعلى 7 % من الوظائف ومن الميزانيات ومن موارد الدولة . وبعد اعلان عصيان والدخول في صراع مرير, وبعد تدخل الاتحاد الاوربي وحلف الناتو توصلا الجانبان الى اتفاقية سلام بين الحكومة المكادونية والالبان بعنوان " اتفاقية اوهريد " , التي تمنح الاقلية الالبانية حقوقا جماعية بدون الانفصال عن الدولة , مثل اعتبار اللغة الالبانية لغة رسمية والحفاظ على الارث الثقافي والتربوي وضمان التمثيل النسبي في جميع مرافق ومؤسسات الدولة ونصيبها من موارد الدولة . ( بالمقارنة , الاقلية الالبانية لا تعتبر اقلية اصلية في ماكدونيا Indigenous Peopl مثل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل ) .
من اجل انجاح هذا النضال وهذا الكفاح يجب توفير كل الظروف المساعدة على انجاح الخطوة التاريخية لوحدة القائمة العربية المشتركة التي تعتبر اول خطوة سليمة منذ العام 1948 لنيّل الاقلية الفلسطينية في اسرائيل كامل حقوقها .
[email protected]
أضف تعليق