تغيّرت وجهة الأحداث في المنطقة، لا سيما في سوريا والعراق، عما كانت عليه قبل أشهر قليلة، بعد تبدّل المعطيات مع مرور الوقت، ولم يعد إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد من الأولويات بالنسبة إلى بعض الدول التي راهنت على هذا الخيار، خصوصاً مع بروز نجم التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش" و"جبهة النصرة"، مستفيدة من الفوضى التي عمّت في كل من سوريا والعراق.
وبعد ما يقارب أربع سنوات من "العزلة"، التي حاولت قوى غربية ودولية فرضها، عادت العاصمة السورية دمشق لتستقبل الوفود، بعد أن عمدت بعض الدول إلى إعادة فتح السفارات السورية في دولها، ما يؤشر إلى تحول في النظرة إلى الأزمة.
وخلال اليومين الماضيين، شغلت الزيارة التي يقوم بها وفد برلماني فرنسي إلى سوريا، الأوساط السياسية والإعلامية، على الرغم من التأكيدات الرسمية الفرنسية بأن هذا الوفد لا يمثل الحكومة، لكنّ هذا الأمر لم يُلغِ أهمية الزيارة، بحسب أوساط متابعة لها، خصوصاً أنها تأتي في وقتٍ بدأت فيه المخاوف من الجماعات الإرهابية تجتاح المجتمع الأوروبي، لا سيما بعد جريمة الإعتداء على صحيفة "شارلي إيبدو"، ومن المؤكد أن الوفد لم يأت إلى دمشق في هذا الوقت للقيام بجولة سياحية.
محاولات التنسيق الأمني، ولو عبر فريق ثالث، بين بعض الدول الأوروبية والحكومة السورية ليست بجديدة، لكن الجانب الأوروبي غير راغب بالكشف عن هذا الأمر بشكل علني وواضح، نظراً إلى أن مصالحه تقتضي عدم حصول ذلك، حيث تشير الأوساط المتابعة، لـ"النشرة"، إلى وجود روابط إقتصادية مهمة مع بعض الدول الخليجية، التي لم تستطع حتى الساحة تجاوز مشكلتها الشخصية مع الرئيس الأسد.
في نظرةٍ سريعة على الأعضاء المشاركين في الوفد الفرنسي، ترى فيه الأوساط المتابعة بالمضمون عدّة رسائل مهمة، فعلى الرغم من أنّ هذه الزيارة تُعتبَر الأولى لوفدٍ برلماني، منذ اندلاع الأزمة قبل نحو أربع سنوات، يشارك عضوان من مجلس النواب هما جيرارد بابت، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية السورية، وهو أحد المقربين من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند، وجاك ميارد، أحد الوجود البارزة في البرلمان، وعضوان من مجلس الشيوخ هما ايميري دو مونتيسكيو نائب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ، وجان بيار فيال.
من هذا المنطلق، تشير هذه الأوساط إلى أن الزيارة لا يمكن وصفها بالعادية، بل هي تعكس تنامي نفوذ تيار أوروبي يريد إنهاء الأزمة السورية سياسياً بأسرع وقت ممكن، خصوصاً أنّ تداعياتها على المجتمعات الغربية كبيرة جداً، في ظل تواجد أعداد كبيرة من المقاتلين الأجانب في صفوف التنظيمات الإرهابية.
بالإضافة إلى زيارة الوفد الفرنسي، تستقبل العاصمة السورية وفداً أميركياً، غير رسمي، يضم وزير العدل السابق رامزي كلارك والعضو السابق في الكونغرس سانتيا ماكيني، بعد أن شارك الوفد في فعاليات "منتدى العدالة لفلسطين الدولي"، بدعوة من "المركز العربي الدولي للتواصل والتضامن"، ومن المعروف أن أعضاء الوفد هم من الشخصيات المتعاطفة مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية.
وفي هذا السياق، يعتبر مصدر برلماني سوري أن هناك إنفتاحاً أوروبياً على سوريا، ينطلق أولاً من إعادة قراءة الأوضاع بشكل دقيق، ويفضل عدم المبالغة في الحديث عن تحولات كبرى في المرحلة الراهنة، لكن هذا لا يعني عدم حصول تغيير، ويؤكد أن الزيارة الفرنسية يجب أن توضع في سياقها الطبيعي، أي أنها خطوة أولى في تحويل شكل التعاطي مع الأزمة السورية، ولا يرى هذا المصدر أن المخاوف الأمنية والخطر الإرهابي هي العامل الوحيد في هذا التبدل، من وجهة نظره هناك مصالح أكبر لهذه الدول تدفعها للقيام بتعديل ولو جزئي في مواقفها، خصوصاً بعد فشل مشروع إسقاط الدولة.
ويسخر المصدر البرلماني السوري، عبر "النشرة"، من تأكيد الحكومة الفرنسية، أكثر من مرة، أن الوفد غير رسمي، ويعتبر أن زيارة بهذا المستوى ما كانت لتحصل دون موافقة الحكومة أو عدم ممانعتها على الأقل، خصوصاً أن الوفد برئاسة أحد المقربين من هولاند، إلا أنه لا يمانع أن يكون مجرد وفد برلماني، لأن هذا سوف يساهم في نقل حقيقة ما يحصل في بلاده إلى العالم.
بالنسبة إلى هذا المصدر، التبدل الأساسي يعود إلى صمود الشعب السوري والقيادة السورية، خصوصاً أن النظرة كانت سابقاً عدائية إلى حد بعيد، ويشير إلى أن ما حصل يعكس توجهاً أوروبياً لا فرنسياً فقط، لا سيما أن باريس من القوى الفاعلة في الإتحاد الأوروبي، ويتوقع تطور الموقف الجديد في المستقبل، حتى ولو لم يحصل ذلك خلال فترة قصيرة.
في المحصلة، يبدو أن هناك تطورات كبيرة ستشهدها المنطقة في الفترة المقبلة، ستكون مكافحة الإرهاب العامل الأساس فيها، وهو ما يبرز من خلال تأكيد الرئيس السوري، خلال إستقباله الوفد الفرنسي، أن محاربة الإرهاب تتطلب إرادة سياسية حقيقية وايماناً فعلياً بأن الفائدة ستعود بالمنفعة على الجميع كما أن المخاطر ستهدد الجميع.
[email protected]
أضف تعليق