خطاب رئيس الدولة خلال زيارته لمدينة رهط

السلام عليكم، جئنا إليكم لنشاطركم أحزانكم (قالها الرئيس باللغة العربية).

السادة وجهاء الطائفة،

كنت أخطط منذ فترة بعيدة للقيام بجولة شاملة في قرى الطائفة البدوية في النقب، وكنت أتمنى أن تكون ظروف زيارتي أكثر إشراقا وأن تمثل خطوة أخرى على طريق بناء شبكة سليمة وإيجابية من العلاقات، ولكن مع شديد الأسف تكون الزيارة هنا والتي أتبعها في موعد لاحق من هذا اليوم بأخرى إلى حورة تتم في ظل التعازي والمأساة والحزن الشديد. وعليه، أود في بداية كلامي التعبير عن تعازيّ الصادقة للعائلات في حزنها وألمها. إن الألم والحزن اللذين يسببها فقدان الأرواح أمر مروع، ونحن في أمس الحاجة إلى بذل كل مستطاع لضمان عدم تكرار مثل هذه الأحداث.

كنت منذ لحظة علمي بالأحداث الأليمة التي شهدتها مدينة رهط على اتصال برئيس البلدية ومختلف جهات الشرطة لأطّلع منهم على المستجدات ونتائج التحقيق، وتابعت وما زلت أتابع عن كثب عمل طاقم تقصي الحقائق وكلي ثقة بأنه يعمل بمنتهى الجدية والمسؤولية، سعيا لكشف الحقيقة وإيضاح الصورة الشاملة، ورغم الحزن اللامتناهي وما يعنيه من صعوبة، يترتب علينا جميعا التحلي بالصبر حتى يأخذ التحقيق مداه، والسماح للقانون والقضاء بإصدار حكمهما، ومعاذ الله أن نأخذ القانون بأيدينا، لأن سيادة القانون تلزمنا جميعا، المواطن والشرطي على حد سواء، ومن واجب الشرطي أن يحمي المواطن، ومن واجب كل مواطن إفساح المجال للشرطي لأداء مهمته دون خوف أو تهديد. ولم آت إلى هنا اليوم لأدعم هذا الطرف أو ذاك، فالتحقيق ما زال يجري بكل نزاهة وسوف تنشر نتائجه. لقد أتيت إلى هنا اليوم لكونكم أبناء هذا البلد ومواطنين متساوين وجزءً لا يتجزأ من دولة إسرائيل، ونحن، وإن كنا غارقين في غياهب الحزن، يجب ألا يمثل أمام أعيننا الماضي بل المستقبل، مستقبلنا المشترك يهودا وبدوا معا. ولا يجوز لنا تعميق الهوة التي تهددنا بالفرقة، وإنما من واجبنا مواصلة بناء ما بيننا من جسور، وعلينا أن نبني هذه الجسور خطوة بعد خطوة ومن منطلق الإيمان، ولن نستطيع إلى ذلك سبيلا إلا من خلال إعادة بناء الثقة وترسيخها بين الأطراف، ومن خلال التعاون والإدراك العميق أن طريقنا مشتركة وأن علينا السير عليها سوية.

عزيزي طلال القريناوي رئيس البلدية، إن من أسباب وصولي إلى هنا اليوم دعوتك التي وجهتها إلي بالمجيء وذلك خلال لقائنا الأخير في مقر الرئاسة، وقد كانت دعوةً مؤلمة صدرت من القلب لتدخل من القلب، إذ أعتبرك أنت رئيس البلدية، وسائر أعضاء المجلس والسادة الوجهاء مثالا للقيادة الشجاعة، القيادة التي تمد يدها، والتي لا تيأس حتى في لحظة الفاجعة.

عزيزي طلال، لقد حللت ضيفا على بيتي قبل أسبوعين، لتقول لي بصدق وألم: "أرجوك أن تقربنا كمواطنين وألا تبعدنا". هذا ما قلته، وها أنا قد أتيت إلى هنا اليوم من منطلق الموقف ذاته، أي من منطلق التزامنا المتبادل باعتبارنا مواطنين في دولة إسرائيل. لم آت لمجرد مشاطرتكم ألمكم باعتباري غريبا، إذ إن ألمكم وما تشعرون به من ضائقة يؤلمني أنا أيضا. إن ألمكم يؤلمني لكوني مواطنا مثلكم، ويؤلمني باعتباري رئيسكم، فالمواطنون الإسرائيليون سواسية بعضهم أمام بعض، وجميعهم أمام القانون، ولا يجوز أن يكون في دولة إسرائيل مواطنون من الدرجة الأولى وآخرون من الدرجة الثانية، لا سيما من حيث الحقائق، ولكن أيضا من حيث الشعور، فعلى دولة إسرائيل معاملة مواطنيها جميعا باحترام ومساواة، وعليها كذلك الإقدام على خطوات ملموسة وشجاعة لجسر الفجوات الاقتصادية القائمة بين الجمهور اليهودي والعربي والبدوي سواء في الموارد أو في البنى التحتية والتشغيل.

أيها الأصدقاء، في اليوم الذي استضفت فيه في مقر الرئاسة رؤساء البلديات من أبناء الوسط العربي، كان بين المتكلمين أمين العنبتاوي رئيس بلدية شفاعمرو، والذي أورد في كلامه حكمة عربية جميلة تقول: "هناك ثلاثة أمور لا تستعاد إذا ولت، وهي الكلمة إذا نُطقت والوقت إذا مضى، والثقة إذا فُقدت". إنني أشعر جيدا بالصدمة والهزة اللتين تعرضت لهما الثقة وما زالت، وأعلم علم اليقين بأن زيارة يتيمة لن تحلها، فالثقة لا تبنى ولا يعاد بناؤها في يوم واحد، وسوف يترتب علينا اختيار الطريق المشترك وإبداء الثقة بعضنا ببعض وترسيخ آليات حقيقية وبعيدة المدى من التعاون في جميع مجالات الحياة، وأستطيع أن أخبركم بأن مقر الرئاسة يشارك في مشاريع مختلفة مشتركة للوسط العربي والمجتمع اليهودي في حقل التعليم ومن أجل انخراط الوسط العربي في سوق العمل الإسرائيلية، وانا على اتصال دائم برؤساء السلطات المحلية في الوسط العربي.
إنها مهمة ضخمة ملقاة على عاتق كل منا رجالا ونساء، وهي مهمة ملقاة على عاتقي أنا كذلك. وإذا كنا نؤمن حقا بالتغيير ونرغب فيه، فلا شك لدي في قدرتنا على إحداث تغيير، ولكننا سنعجز عن ذلك إن لم نكن نعمل سوية، ولذلك سررت بلقائي هنا اليوم أيضا برؤساء السلطات المحلية المجاورة الذين أتوا من منطلق شعورهم بالتضامن ووحدة المصير، علما بأن توثيق الصلات بين رؤساء البلديات والسلطات المحلية المتجاورة وإيجاد التعاونات الاقتصادية والتعليمية بينهم – بينكم – أعتبرهما من أهم مفاتيح مستقبلنا هنا، وإني أشيد، السيد رئيس البلدية والسادة رؤساء السلطات المحلية المجاورة، بما بذلتم من جهد لإيجاد نسيج من الحياة المشتركة، وإنني شريك لكم في هذه المهمة.

أيها الأصدقاء، إن التقاليد اليهودية، شأنها شان التقاليد الإسلامية والبدوية، تبدأ بما أبداه إبراهيم الخليل من حسن الضيافة، ففتح أبواب الخيمة والبيت وفتح أبواب القلب يعتبران دعائم عقيدتنا، ولكن الضيافة لا تنتهي لحظة خروج الضيف من البيت أو الخيمة، بل إنها سواء في التقاليد اليهودية أو البدوية مجرد بداية علاقة هامة يتم بناؤها منذ الآن، وقد أتيت إلى هنا اليوم ضيفا عليكم، متمنيا استمرار أملكم وأملي وإيمانكم وإيماني في إضاءة طريقنا المشتركة، وإني لأشكركم على دعوتكم لي لزيارتكم، ولا أراكم الله مكروها بعزيز (قالها الرئيس بالعربية)، وبارككم الرب جميعا. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]