بمعنى آخر فإن الحديث عن القضايا الطارئة وتفعيل الوسم أو الـ “هاشتاج” ليس أمرًا عبثيًا بالمطلق، فكثرة تدفق المنشورات والتغريدات التي ذيّلت بـ #ChapelHillShooting أوصل هذا الوسم ليحقق معجزة حقيقية ويعتلي هرم الـ”trend” العالمي ودون دعاية مدفوعة الثمن، ودون أن يكون حدثًا بضخامة الأوسكار مثلا! وهو أمر لم يحدث في أميركا من قبل أو ليس بهذا الشكل.

أنا لا أضيف شيئًا جديدًا، لكنها فرصة للتذكير أن كثيرًا من المدونين على الشبكات الاجتماعية ليسوا عبثيين، وأن التقليل من نشاطهم وتفاعلهم مع الأحداث سلوك غير واعٍ يعكس جهل القيمة التي يحدثها التفاعل الإكتروني عبر الشبكات الاجتماعية، من خلال نقرات لوحة المفاتيح والضغط على” tweet” أو”Post”.

هناك مشاكل حقيقة للشبكات الاجتماعية، وأنا عن نفسي بت على قناعة تامة بعدم جدوى النقاش من خلال هذه المنابر، مع التحفظّ على أن تكون منبرًا من الأساس، لكنها مساحة جيدة للتغير وترك شيء يشبه أثر الفراشة، والأهم صناعة رأي عام حقيقي، من بعض الأمور التي يمكن الاستفادة منها في الحدث الأخير، كيف أن ضياء هذا الشاب السوري الجميل كان يجمع من خلال الشبكات الاجتماعية أيضًا مبلغا من المال ليسافر في الصيف المقبل إلى تركيا مع ثمانية من زملائه لمعالجة الأطفال السوريين في مخيمات اللجوء هناك.

كان يحتاج فقط 20.000$ ليكمل الرحلة التي عنونها بـ “صناعة ابتسامة جميلة” على وجوه أولئك الحزانى، بعد أن رحل هذا المسكين بيد غادرة مع زوجته الرقيقة وشقيقتها، وخلال يومين فقط .. الحساب الذي سجّل فيديو يدعو الناس فيه للتبرع وللمساعدة وصل إلى أكثر من 325.000 دولار! أي قرابة السبعة عشر ضعف مما كان مقررًا للمبادرة الخيرة التي كان يقصدها، ونرجو أن يكون هذا علامة من علامات القبول.

لكن ما يعنينا هنا أنه دليل آخر على عمق الأثر الذي يتركه الإعلام البديل أو التفاعل الشبابي على الشبكات الاجتماعيّة، لذا لا داعي لإحباط المدونين هنا وتثبيط همتهم عند كل محاولة لإحياء فكرة أو حدث أو مناسبة أو قضية من خلال تغريدة أو بوست أو صورة، لسنا عاجزين لا نملك إلا هذه الأداة الأخيرة. لكنها وسيلة ومن الرائع استثمارها حتى بنشر مشاعرنا وما يخالجنا من عواطف تجاه أي حدث؛ من الجيّد تحفيز المدونين بدلًا من تسخيف دورهم والتقليل من قيمة سلوكهم.

النقطة الثانية التي لفتتني بالحادثة الأخيرة، هو كيف تفاعل الأمريكان نفسهم مع الحدث، كان من المؤسف بالطبع تجاهل الإعلام “الربحي”، الملايين من القاطنين في الولايات المتحدة تفاعلوا بشكل نبيل وراقٍ مع أسرة ضحايا الحدث، وكانت لهم وقفات مؤثرة وفاعلة وتعكس تكافلاً وتضامنًا على أعلى المعايير.

لقد شاهدنا الوقفة الإنسانية التي تجمهّر فيها ألوف من الطلاب وهم يحملون الشموع ويذرفون الدموع، رغم تعدد أعراقهم واختلاف توجهّاتهم، شاهدنا العديد من الأمريكان يقفون أمام المسجد الذي خرجت منه الجنازة الأخيرة وبيدهم باقات من الورد مهداة لأرواحهم، شاهدنا بكاءهم ولمسنا ألمهم واعتذارهم.

غدًا مثلًا ستخرج تظاهرة ضخمة ضد العنصرية و”الإسلاموفوبيا” في نيوورك، تنطلق من مقرّ قناة الـ “CNN” وتنتهي وصولًا إلى الـ “Fox News” يشارك فيها لاعبو كرة سلّة من المشاهير الذين كان يعلق ضياء صورهم على حسابه بالفيسبوك وفي منزله.

لن يكون في هذه المسيرة مسلمون أو أمريكان من أصول عربية فقط، بل مسلمون ويهود ونصارى وملحدون .. سياسيون وغير سياسيون، وهو تفاعل شعبي حقيقي يثمّن، لذا يجب التفريق بين الحكومة الأمريكية والدعاية الأمريكية وبين الأمريكان أنفسهم وأطياف المجتمع، ومن السخف أن يتم حصرهم جميعًا بخطاب واحد ينزع عن أميركا صفة الحريّة ويحشرها في زاوية ازدواجية المعاير واستحواذ الحكايا والتصهين في الخطاب.

هذه الحادثة مؤلمة بلا شك وتركت فينا جرحًا غائرًا لكثرة الظلم في هذه الأرض، لكنها ربما كانت فرصة مذهلة ليلتفت ملايين من الأمريكين إلى التحيّز الإعلامي المؤطر، ولننتبه من جديد إلى غياب الإعلام المتحدّث بلساننا في الردار الأمريكي، ولنعلم مرة أخرى كيف يمكن أن نخلق رأيًا عامًا من العدم من كبسة زر على الكمبيوتر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]