منذ سنوات وفي ظل تأزم الحركة الوطنية الفلسطينية ومشروعها، يجري الحديث في أوساط أكاديميين سياسيين ومتابعين لمسيرة كفاح الشعب الفلسطيني، بأن مركز ثقل الحركة الوطنية الفلسطينية قد ينتقل إلى داخل الخط الأخضر. وتكرر هذا الحديث على لسان الصديق هاني المصري، مدير المركز الدراسي- مسارات (مركزه في رام الله)، أثناء اللقاء الذي عقد في مدينة الناصرة يوم السبت الماضي حول "القضية الفلسطينية.. التحديات والمخاطر". يذكر أن مركز ثقل الحركة كان في الشتات، منذ النكبة، وبعد العدوان الصهيوني على المقاومة الفلسطينية عام 1982، تحول إلى الأرض المحتلة عام 1967، خاصة بعد الانتفاضة الأولى المجيدة عام 1987.

جاء هذا الكلام، في سياق أشارته إلى أهمية تشكل قائمة انتخابية مشتركة لفلسطينيي الداخل، وخاصة ما يمكن أن تفرزه من تفاعلات ايجابية على مستوى العمل الوطني والسياسي المشترك.

ويذكر أن مركز "مسارات"، الذي يديره المصري، وبمشاركة الصديق الباحث خليل شاهين، هو من أكثر المراكز نشاطاً وانتاجاً في مجال تجديد الفكر السياسي الفلسطيني والرؤى والاستراتيجيات المطلوبة للنهوض بالمشروع الوطني لشعب فلسطين بكافة تجمعاته. ويُشرك المركز بشكل دائم أكاديميين وسياسيين فلسطينيين من داخل الخط الأخضر في هذا الجهد. وهذا ما كان غائباً ومُغيباً في الفترة السابقة. وقد كنت قدمت، بناءً على طلب المركز، ورقة قبل أربع سنوات، حول دور وموقع عرب الداخل في المشروع الوطني الفلسطيني وطورتها في كراس من سبعين صفحة بعنوان: "دور فلسطيني أل 48 في المشروع الوطني الفلسطيني". كما أن مركز الدراسات الفلسطينية (بيروت ورام الله) له أيضاً مساهمة نوعية في هذا المجال. وأتساءل دائماً أمام هؤلاء الأصدقاء في زياراتي واتصالاتي الدائمة، عن مدى اهتمام وإصغاء النخبة السياسية المتمسكة بالقرار الفلسطيني الرسمي لهذا التفكير النقدي والتصورات المستقبلية. ليس الجواب مشجعاً ولكن بالتأكيد سيكون لهذا الجهد الفكري- السياسي تأثيره المتراكم، خاصة وأن الفجوة بين النهج القائم والواقع المتردي تتسع وتتعمق.

قيادة الداخل

أما بالنسبة لمقولة أن فلسطينيي الداخل سيقودون الحركة الوطنية الفلسطينية في المستقبل أستبعد إمكانية تحقق هذا الأمر. أولاً، لظروف موضوعية وذاتية تتعلق بتبعيتهم المطلقة للاقتصاد الإسرائيلي، وبوجود قوى عربية ذات برنامج اندماجي مناهض للاعتماد على الذات. ثانياً، لأن ترسيخ هذا الاعتقاد يمكن أن يؤدي إلى الركون وإلى ترسيخ حالة الانقسام المأساوي داخل الحركة الوطنية في الضفة والقطاع مما يعزز نهج الهروب من المواجهة الشاملة مع الاحتلال. (نهج السلطة في رام الله).

أنا متأكد، أن لفلسطينيي الداخل، سيكون لهم دور أكبر في مشروع مواجهة النظام الكولونيالي في فلسطين، وكل فلسطين. ويجب أن نجتهد ونعمل بمثابرة، وبحكمة بهذا الاتجاه أي ترجمة الوزن العددي، والموقع والخبرة التي راكمها هذا الجزء من شعب فلسطين إلى رصيد استراتيجي للحركة الوطنية الفلسطينية الشاملة. ولكن هذا الجهد ينبغي أن يكون مشتركاً بين كافة تجمعات الشعب الفلسطيني. وحتى يكون لهذا الجزء دور مباشر، ومساهمة استراتيجية في مسيرة الكفاح من أجل إزالة النظام الكولونيالي العنصري، وصولاً إلى العدالة والمساواة.. لا بد من أن يمر هذا الجزء من شعب فلسطين بعملية بناء ذاتي وشامل، يتجسد في إقامة مرجعية وطنية عليا.

بخصوص القائمة الانتخابية المشتركة، رغم ما تنطوي عليه المشاركة في انتخابات الكنيست من تناقضات، فإنها ستكون رافعة، من روافع تقوية المجتمع الفلسطيني.. نحو بلورة سلوكه الجماعي كقومية أصلانية تخضع لنظام كولونيالي. ونحو التسريع في إعادة تحديد العلاقة الاستراتيجية، والنضالية مع الشعب الفلسطيني.

المعركة الانتخابية الراهنة، ليست تنافساً أو تناحراً بين مركبات المجتمع الفلسطيني داخل الخط الأخضر، بل هي معركة سياسية وأيدلوجية ضد مجمل النظام الصهيوني الكولونيالي العنصري وهذا ما يجب أن يدفع إليه التيار القومي الديمقراطي داخل القائمة. هي إحدى المعارك ليس إلا. لقد بات خوضها بكل قوة واجباً وطنياً. وذلك حتى نتمكن من خوض المعارك القادمة..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]