يبدو ان الحادثة جاءت في توقيت استثنائي، ولا حاجة فعلا للتفاجؤ، التسخين على الحدود الشمالية في القاطع ما بين هضبة الجولان السورية وبين الحدود اللبنانية كان بالفعل متوقعاً، التسخين على الحد ذاته يقوي بسبب المساس بدورية المسؤولين في منطقة القنيطرة بسوريا، والتي قتل فيها قادة حزب الله والجنرال الإيراني، وإن يكن هذا بحد ذاته يقوي الرغبة في الرد؛ وإنما الأمر هو ان حزب الله أيضاً وإيران وسوريا أتموا عملية بناء قدرات عسكرية من قبل تنظيمات مثل حزب الله في هضبة الجولان بهدف فتح جبهة جديدة هناك.
هذه القصة لم تبدأ على إثر اغتيال المسؤولين؛ وإنما بدأت قبل أشهر طويلة، ومن لحظة المساس بهؤلاء المسؤولين كان من الواضح ان حزب الله بسماح أو ربما بتوجيه من إيران لا يستطيع إلا أن يرد، وكان السؤال هو كيف؟ ومتى؟
المعضلة الاسرائيلية تبدو كالآتي بصورة أو بأخرى: من ناحية لا تتوفر رغبة اسرائيلية حقيقية (رغم اقتراب الانتخابات) في تسخين الجبهة الى حد الاشتباك الشامل، وحزب الله أيضاً غير معني فعلاً ان يفتح على نفسه جبهة في مواجهة الجيش الإسرائيلي على ما يبدو، ولذلك فإن العملية ضد قادة حزب الله أو إطلاق النار تجاه المناطق الإسرائيلية، الجانبان في حقيقة الأمر يحسبان بأقصى درجات الدقة التورط على جانبي الحدود، والأمر لا أكثر ولا أقل هو كيف الرد دون إشعال الجبهة.
إذا كان الافتراض العملي لدى الجيش الاسرائيلي هو ان حزب الله غارق حتى أذنيه في الحرب السورية والعراق، وإذا كان هذا التشريح الاستخباراتي فعلاً صحيح فإن حزب الله سيتطلع الى انتهاء هذه الجولة سريعاً، في اسرائيل تبقى المعضلة ماذا يمكننا ان نفعل أكثر؟ وكيف نتصرف كي نمنع تمركز التنظيمات التي تحلم في القيام بسلسلة من العمليات العسكرية أو التسلل الى داخل المناطق الاسرائيلية في هضبة الجولان أو في أماكن أخرى على خط الحدود؟
الصحيح هو اتخاذ جميع وسائل الحيطة
الوضع حالياً يقول بوجود مناوشات، هذه الأيام تجري مشاورات أمنية حول ما يجب فعله من الآن فصاعداً، ولسنا واثقين البتة من ان هذه الجولة قد انتهت، نيران المدفعية ومهاجمة الجيش الاسرائيلي ليس انتقاماً لمقتل جهاد مغنية؛ بل ان هناك مصلحة حيوية أكبر تدفع باتجاه هكذا خطوات، وحزب الله لا شك سيرد رداً حقيقياً أقوى دون الكشف عن مسئوليته عنه.
هذا الأسبوع سقط صاروخان في مناطق مفتوحة في هضبة الجولان، ورد الجيش الاسرائيلي بنيران المدفعية باتجاه مرابض للمدفعية السورية، وعند هذا الحد انتهت الجولة، ومع دخول الليل قامت الطائرات الحربية بسلسلة من الهجمات على أهداف في الأرض السورية، يمنع من اسرائيل ان تتورط في حرب استنزاف، ووجدت طريقة لتوصل اشارتها، وكانت إشارة تقول في واقع الأمر: مستوى ردنا في هذه المنطقة لن يكون بالضرورة معتدلاً أو متناسباً مع أعمال إطلاق النار من المناطق السورية؛ بل سيكون ردنا قوياً أكثر، وهذه أيضاً هي الآن معضلة الحدود الشمالية وهضبة الجولان.
الصحيح فعلاً هو اتخاذ كافة وسائل الحيطة، ولكن الأصح ان ندرس خطواتنا، وهذا أجدى للطرفين، سينتصر في هذه المناوشات الذي يحسب ليس خطوة واحدة للأمام، وإنما أربعة خطوات.
[email protected]
أضف تعليق