لا أمْنَ ولا أمان ، هكذا كان حالنا دائما منذ النكبة ، مرورا بمجزرة كفر قاسم في 1956/10/29 ، ومذبحة يوم الارض في 1976/3/30 ، ومجزرة هبة القدس والاقصى في تشرين اول 2000، ومذبحة شفاعمرو 2005 وانتهاء بمذبحة مدينة راهط في الأيام الأخيرة ، وما وقع من ضحايا عرب أبرياء على أيدي أجهزة الأمن والشرطة الإسرائيلية ما بين هذه المحطات . هذا بالإضافة الى المذابح التي يرتكبها الاحتلال الاسرائيلي ضد شعبنا الفلسطيني في الضفة والقطاع والقدس المحتلة ..

لم نشعر بالأمن يوماً ولم نذق له طعماً ، فنحن نشعر بالتهديد الحقيقي وبشكل مستمر . فعلى المستوى السياسي ما زالت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ، والأحزاب على اختلاف أشكالها وألوانها ، والنخب الآكاديمية إلا ما ندر ، والصحافة بوجه عام ، والأجهزة الأمنية والشرطية ، إضافة إلى المزاج العام اليهودي ( الإسرائيلي ) ، ما زالوا يرون في الأقلية القومية الفلسطينية في الدولة تهديدا استراتيجيا ، أكثر خطرا ربما عند البعض ( نتنياهو ورئيس جهاز الأمن العام مثلا ) ، من الشعب الفلسطيني على الطرف الآخر من الحدود ...

أما على مستوى الأمن الشخصي فقد جاءت مذبحة ندينة راهط في الأيام الأخيرة ، وغيرها من الاعتداءات على مواطنين عرب في أكثر من مكان وبالذات في المدن اليهودية ، إضافة إلى عشرات حالات القتل التي تعرض لها شباب عرب على أيدي عناصر الشرطة والأمن ، تشعرنا دائما بأن هنالك مئات الارهابيين اليهود ( رسميين وغير رسميين ) ما زالوا يتحركون احراراً ، لا ندري متى سيكون هجومهم التالي ولا اين !!!

سنظل نشعر بالخطر ما لم تتخذ اسرائيل من الاجراءات الرادعة والعملية والفعالة على المستويات السياسية والقانونية والتنفيذية ، ما يُبْطِلُ خطر الارهاب اليهودي وغير الرسمي من جهة ، وينهي حالة التمييز والظلم التاريخي الذي يشكل البيئة لتفريخ مشاعر الكراهية والحقد والعنصرية ضدنا ، ويُطَمْئِنُ جماهيرنا العربية على دمائهم وحقوقهم وحياتهم ..

طالبنا الحكومات الإسرائيلية وعلى مدار السنوات ، بتنفيذ عدد من الاجراءات الفورية ، أولها الاعلان عن انتهاء حقبة التمييز العنصري ضد الجماهير العربية ، والذي يتضمن الاعتراف الرسمي بوجود هذا التمييز وضرورة العمل على إنهائه ، وثانيها اعتبار أي هجوم أو عدوان على عرب سواء جاء الهجوم من جهات رسمية أو غيرها ، عملا ارهابيا ، والعمل الجدي على عدم تكراره ، والاعتراف الرسمي والقانوني بضحايا الارهاب اليهودي من العرب واسرهم كضحايا ارهاب مع كل ما يترتب على ذلك من حقوق ، والاعلان عن منظمات العنف والكراهية اليهودية كمنظمات ارهابية فوق كونها غير قانونية ، والعمل على تفكيك بناها التحتية والتسليحية والعسكرية ، ووقف اعمال التحريض على الوسط العربي وقيادته ، والتنفيذ الفوري لتوصيات لجنة اور بشأن ضحايا الارهاب السلطوي في احداث تشرين اول 2000 .

لا ننكر ان هنالك أصواتا يهودية عادة ما تتضامن مع الضحية العربية ، وتقف مشكورة مع الأسر الثكلى ، كما ونشهد أحيانا زيارات لقيادات سياسية ودينية وفكرية تعَبَّر كلها عن شجبها واستنكارها لأي عدوان موجه ضد عرب على خلفية عنصرية ، واعدة بعمل اللازم لاصلاح الوضع وَرَدِّ الحق إلى أصحابه ...

حدث كل ذلك .. فماذا تحقق منه في الواقع ؟!!هذا هو السؤال الاهم . الجواب ، لا شيئ على الاطلاق ...

لَمَّا لَمْ تفعل اسرائيل شيئا على امتداد عمرها الذي تجاوز السابعة والستين عاما ، يعاود المجرمون بلباسهم الرسمي وغير الرسمي ، ليمارسوا اجرامهم بين الفترة والأخرى متحدين كل القوانين والأعراف والمواثيق الدولية ، ومستخفين بكل شيء ، ومطمئنين كما يبدو الى غطاء ما رسمي وشعبي ، يعمل على تبييض صفحاتهم وتبرئتهم من فظائعهم ، وحتى - كما حصل في كثير من الأحيان - تحويلهم إلى ضحايا وهم الجلادون بلا منازع ...

إن تجاهل الحكومات المتعاقبة لتوصيات ( لجنة اور ) ، والتي أشارت - من جهة - لخلفية أعمال القتل التي ارتكبها عناصر الشرطة والأمن في تشرين أول 2000 ، والتي تحددت كما جاء في التقرير في ثقافة الكراهية للعرب ، وثقافة الكذب في كل ما له علاقة بالانتهاكات ضدهم ، والتي تَرَبَّتْ عليها هذه العناصر وعلى مدى عقود ، وتجاهلها أيضا لدعوة هذه اللجنة من جهة أخرى ، إلى محاكمة ضباطٍ وجنودٍ في الأجهزة الأمنية الإسرائيلية ، وصلت اللجنة إلى قناعة تامة بضلوعهم بمقتل ثلاثة عشر شابا عربيا بدم بارد ودونما سبب ، وقرار مكتب التحقيقات مع الشرطة في وزارة العدل ( ماحاش ) إغلاق جميع الملفات لعدم توافر الأدلة ، لتشير كلها إلى أننا كجماهير عربية مطالبون بالنظر الجذري في شكل تعاطينا مع الأحداث ، وفي طبيعة العلاقة مع الدولة بما يضمن وجودنا وأمننا وحقوقنا ...

هذا بالضبط ما يجب أن نتناوله بالبحث والتحليل في مؤساتنا التمثيلية العليا وعلى رأسها لجنة المتابعة العليا ، وعلى مستوى الجماهير والنخب والأحزاب والحركات والصحافة العربية ، وفي أقرب وقت ممكن ...

نحن مقبلون في الأشهر القريبة القادمة على انتخابات برلمانية جديدة ، وها نحن نتابع التطورات على المستويات المحلية والإقليمية والدولية ، والتي تشير كلها إلى سعي حكومة نتنياهو الى استثمار أجواء الانتخابات من اجل تحقيق بعض النقاط وتحسين أوضاعها في استطلاعات الرأي العام ، تمهيدا للاستمرار في إدارة شؤون الدولة في المرحلة المقبلة ...

تغول سياسات الاحتلال الإسرائيلي في الضفة والقدس المحتلة ، واستفزازاتها في قطاع غزة ، وعملياتها في سوريا ( غارتها في القنيطرة السورية واغتيالها لمجموعة من مقاتلي حزب الله ) ، وتحريضها الدائم والمستمر للمجتمع الدولي ضد ايران والشعب الفلسطيني وقيادته في رام الله ( الدعوة الى تصفية السلطة الفلسطينية ورئيسها بسبب ملف الجنايات الدولية ) ، وفي غزة ( استمرار الحصار واستهداف القيادات والتنصل من التزاماتها تجاه انهاء الحصار على غزة ) ، وتشديد قبضتها الاحتلالية ضد الشعب الفلسطيني برمته ( استمرار الاعتقالات التي بلغت الالاف منذ صيف 2014 ، وانتهاكها الصارخ لاتفاق صفقة شاليط وإعادة اعتقال اكثر من ستين محررا وإعادة تفعيل الاحكام ضدهم ومنها احكام بالسجن المؤبد ) ، كل ذلك يشير بوضوح الى ان إسرائيل ماضية في سياساتها العنصرية والتصعيدية ، ولن تكف عنها الا اذا رأت موقفا عربيا – إسلاميا – دوليا قويا ، يردعها ويوقفها عند حدها ، الأمر الذي لا نتوقع انه سيحدث في المدى المنظور على لأقل ..

في مواجهة كل الجرائم الإسرائيلية علينا ان نُعِدَّ الردَّ المناسب والمتاح بلا تهويل او تهوين وبلا افراط او تفريط .... انجاز مشروع القائمة العربية المشتركة ، انتخاب رئيس وهئيات لجنة المتابعة العليا للجماهير العربية ، إعادة ترتيب اوراقنا النضالية على ضوء التطورات الخيرة ، تحديد استراتيجيات المواجهة مع عنصرية إسرائيل ، وتفعيل كل إمكانات المجتمع العربي ، هي الأولويات التي يجب التأكيد عليها في هذه المرحلة ....

هذا ما تتوقعه منا جماهيرنا العربية الفلسطينية ، وهذا ما يجب ان يكون ، والا فلا شرعية لأحد ، ولا مشروعية لوجود احد ..

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]