لا شك أن الكثيرين من بيننا ما انفكوا يحفظون عن ظهر قلب ذلك المشهد الساخر والمعبر في مسرحية "غربة"، حين نزل غوار عند رغبة معلم المدرسة، ونظم انتخابا "ديمقراطيا" لمنصب المختار، فتوجه لأهل الضيعة سائلا من يرغب بترشيح نفسه لمنصب المختار، وهو يظن أن لا أحد سيتقدم لترشيح نفسه، واذ به يفاجأ بأن اهل الضيعة جميعا يرفعون أيديهم مرشحين انفسهم لهذا المنصب، وهنا يتوجه غوار نحو المعلم، بعبارته التي تحولت الى قول جار بين الناس "ضيعة كلها زعما من وين أجيب لك شعب؟!"

ودارت الأيام واذ بنا نحن عرب الداخل أو عرب الـ48 أو العرب في اسرائيل، بتنا مثل أهالي ضيعة "غربة"، لا يختلف وضعنا كثيرا عن وضع "غربة"، ونحن نستعد لخوض انتخابات الكنيست الـ20 وخاصة بعد بدء الحديث الجدي عن تشكيل قائمة مشتركة للأحزاب العربية، واذ في كل واحد منا "مختار" صغير،و رغبة كبيرة بترشيح نفسه للكنيست دون أي شعور بالغربة.

مزاد علني للترشيحات

لو سألنا اليوم أي انسان بالغ منا اذا كان يرغب في ترشيح نفسه للكنيست ضمن القائمة المشتركة، لما تمنع أو تحفظ، بل سيعبر عن رغبته الأكيدة بذلك باعتبار أنه ليس هناك من هو أفضل منه، أي لا يوجد شخص أفضل من الاخر. ومن لا يصدق ذلك أو لا يقتنع فليتابع البرامج الاخبارية والحوارية في الاذاعات، أو فليتابع الأخبار عبر الصحف والمواقع الاخبارية، والمقابلات والتصريحات والبيانات.

فاذا كنا نريد كلنا أن نكون مرشحين، من سيقوم بالتصويت لنا اذا؟ وبدل أن نبحث عن مرشحين علينا البحث عن ناخبين. وبدل أن نطمح لتوحيدنا على أساس قومي، لنسعى لتوحيد عشائرنا وقبائلنا وطوائفنا وحمائلنا ومناطقنا ومضاربنا وأجناسنا وألواننا وكل تشكيلاتنا التي التي ظهرت كالفطريات مع أول شتاء للوحدة. لم يعد أحد يعترف بالقول المأثور "رحم الله امرءا عرف قدر نفسه"، ولم يعد أحد يقتنع بأنه محاضر ناجح أو محام قدير أو طبيب بارز أو مهندس بارع، بل يريد أن يكون عضو كنيست وكأن شخصيته لا تكتمل ولا تتبلور ولا تصقل إلا بالكنيست.

المرأة لا ترى المرأة

من المغالطات الناتجة عن التسرع والتلبك، الوقوع في عدم الدقة في المعلومة، فهذه احدى الطامحات بدخول الكنيست تناقض نفسها، حين تقول "هناك اهمية خاصة ان يكون تمثيل للنساء في داخل الكنيست، والمرأة تعاني من التمييز على الرغم من وجودنا في دولة ديمقراطية، وانا شخصيا لست راضية عن اداء اعضاء الكنيست العرب والسؤال الذي يطرح هل يوجد انسان راض؟" كلام كله حكم ومواعظ تليق بعضوة كنيست مستقبلية، لكن ألا يشبه كلامها ما نسمعه يوميا؟ فاين الجديد اذن؟ اسمعوا واقرأوا ما تقوله الطامحة لمقعد الكنيست: "في هذه الساعة العسيرة مطلوب منا ان نتكاتف، وان نضع ايدينا ببعض للوصول الى مرحلة التاثير، وتكوين القيمة والثقل الكافي لتحسين اوضاعنا كاقلية عربية".

وكيف يكون التكاتف والسير ايد بايد، بأن ندخل على خط الوحدة بين الأحزاب ونضع شرطا: يا بترشحوني يا ما في وحدة.

"مجموعة الباحثين" عن كرسي

وأكثر ما يحيرني بعض المثقفين والأكاديميين، الذين يزاحرون على عضوية الكنيست من خارج الأحزاب، وطبعا بما أنهم متعلمون يظنون أنهم يفهمون اكثر من غيرهم، مع أن العالم تجاوز هذه العقدة منذ زمن طويل.

وقرأنا بأن مشاورات دارت بين مجموعة أكاديميين، وصار حديث على أن ينضم الحزب الديمقراطي العربي برئاسة عضو الكنيست السابق طلب الصانع لتلك القائمة، وعن أسباب التفكير في اقامة قائمة جديدة قالت المصادر المطلعة:" عمليا القائمة العربية المشتركة التي يتحدثون عنها لم تأت بوجوه جديدة، بل أبقت نفس الشخصيات في مواقعها." وقبل أن نضرب أخماسا بأسداس، اجتمعت تلك المجموعة في نهاية الأسبوع وأصدرت بيانا جاء فيه "بادرت مجموعة من الأكاديميين والباحثين المهتمين بالشأن العام والملتزمين بقضايا مجتمعنا الوطنية والجماهيرية، إلى عقد لقاء بغرض التعبير عن موقفهم بخصوص التأثير على القائمة الموحدة من حيث تمثيلها لمجتمعنا ومضمون خطابها السياسي واستراتيجيات عملها السياسي المستقبلي بعد الانتخابات".

ووضعت تلك المجموعة بعض البنود ومنها ترشيح وجوه جديدة غير حزبية في مكان مضمون، وهو ما يتطابق حول ما نقل عن محاولتهم تشكيل قائمة. واضح أكثر من الوضوح ما تهدف اليه تلك المجموعة بعد فشلها في تركيب قائمة للكنيست مع قوى أخرى، وهو أن تضمن لها مقعدا في قائمة "الكراسي" كما ينعتونها، فبماذا يختلفون عن السياسيين الذين ينتقدونهم، أولا تكون القائمة ممثلة للجمهور إلا بتلك المجموعة؟ ونسأل أصحاب المجموعة هل سألتم واستشرتم ودعوتم آلاف الأكاديميين العرب؟ وهل بصفتكم مجموعة صغيرة تمثلون وتنطقون باسم الأكاديميين كلهم؟ ومن خولكم بذلك؟ ألا تدعو هذه الخطوة الى قيام مجموعة هنا ومجموعة هناك، يهمها أيضا الأمر العام وتغار على مصالح شعبها، بعقد اجتماعات وطرح أسماء من عندها؟ أنكون بذلك ساهمنا في الوحدة أم التفرقة؟

لو اكتفت "مجموعة الأكاديميين والباحثين" وهم محترمون في هذه الناحية، بالدعوة وتوجيه المشورة لكان عملهم من أجل الخدمة العامة بالتأكيد. أما أن يطالبوا بكرسي مضمون في القائمة فان هذا يكشف حقيقة نواياهم التي تصب في خدمة أهداف ومصالح ضيقة للأسف، وما كنا نريد لهم هذه السقطة السريعة، حيث نزعوا رداءهم العلمي النظيف ليرتدوا ثوب السياسة الملوث.

ألا تكفيكم مصائب مجالسكم؟

نائب سلطة محلية يعلن " لا نقبل في وقت الحديث عن تحالف شامل يتم تجاهل رؤساء البلديات والمجالس أو نوابهم". وهنا أسمع غوار يصيح به "بينت نواياك يا ..". فهذا النائب الحصيف يدرك أن رئيس المجلس لا يحق له أن يكون عضو كنيست بموجب القانون، ومن هنا معنى دعوته ترشيح نائب رئيس، وليس أي نائب بل ما يراه مناسبا هو شخصيا بالطبع، أي –وبصريح العبارة- ترشيح نفسه لأنه من منطقة مغموط حقها كما يرى..ثم ما لنواب ورؤساء المجالس والكنيست، ألا تكفيهم المناصب التي يتولونها؟ ولماذا عارضوا بالأمس دمجدهم في لجنة المتابعة وفضلوا البقاء في لجنة الرؤساء؟ واليوم يطالب حضرة نائب الرئيس بمكان مضمون في القائمة، يا أخي اتفقوا أولا فيما بينكم، وعندما يخولونك بالحديث عنهم يحق لك أن تضع نفسك متحدثا باسم الجماهير؟

وعلى نفس الموجة استمعت وأنا مشدوه، (ولو شوي ما ظل شعرة برأسي) لرئيس مجلس سابق (لقرية بدوية كما يعرفونها) أكاديمي محترم، في برنامج اذاعي حواري يتحدث بعقلية تقليدية، بل فاقت التقليديين، فحضرته يطالب بمقعد للبدو في القائمة المشتركة، وعندما أشار له المذيع أن هناك عضوا من عرب النقب في الكنيست، رد بأنه لا يمثله، وسأله المذيع بشكل أوضح، وظننته سيتراجع.. لكنه أعلنها صريحة أن ابن النقب لا يمثل بدو الشمال! فأبشروا يا عرب: البدو أصبحوا بدوان، بدو الجنوب (النقب) وبدو الشمال (الجليل)، وربما يطل علينا من يطالب بتمثيل لبدو الساحل أو الوسط أو المروج. وعندها تصبح وحدتنا شاملة كاملة متكاملة من البادية الى البادية.

الكل يهدد على هواه

من المشاهد المميزة للتحركات الانتخابية الأخيرة، كثرة المهددين و"البلطجيين" الفكريين. لا تقرأ تصريحا لأحدهم إلا ونراه يتحدث باسم الجماهير، وينكر على الأحزاب حقها في ذلك، ويصبح الفرد منهم يوازي حزبا.. وكأنه حصل على تفويض شعبي سري. فاسمع أحد المحاضرين الأكاديميين يقول لصحيفة "هناك استياء شعبي من عمل القيادات السياسية في البرلمان"! من أين علم بهذا الاستياء الشعبي وكيف توصل اليه، ذلك يبقى من المخفيات لديه والأسرار "الأكاديمية".

ونائب لرئيس سلطة محلية يصرح ويعلن غاضبا، وطبعا باسم الجماهير المغلوب على أمرها " من يظن ان الجماهير العربية مرغمة على أكل أي طبخة سياسية فهو واهم وغير متصل بالواقع". وكنا ننتظر من حضرته أن يكشف لنا عن مدى اتصاله بالجماهير ومعرفة ما تفكر به الجماهير.. كما كنا ننتظر أن يوضح لنا عن أي واقع يتكلم.. وهل يمكنه أن يوضح لنا كيف ستتبع الجماهير رأيه وهو يطالب بمرشح لقطاعه؟ تفكيرهم فئوي ويتحدثون باسم الجماهير، فهل الجماهير ألعوبة بألسنة كل من أجاد الكلام المنقوص؟

وهناك من يهدد بأن الجماهير ستقاطع الانتخابات اذا حصل كذا وكيت.. دون أن يبين لنا من أين جاء بهذا المعطى ومن أباح له التحدث باسم الجماهير.. فاذا كانت الجماهير لا تنصاع للأحزاب – كما يقولون- هل ستنصاع لأفراد؟ انه تهريج سياسي في زمن عهر سياسي وأخلاقي.

من "ناصرتي" الى "أورشليمي"

"ناصرتي" التي فازت في انتخابات بلدية الناصرة، وابتدأت كحركة محلية سرعان ما دغدغت مشاعر نشيطيها رائحة مقاعد الكنيست، وهم ما زالوا في نشوة النصر في الناصرة.. وهذا يذكرنا بالحركة التقدمية (المغفور لها) والتي ابتدأت كحركة نصراوية وسرعان ما تحولت الى قطرية.

وقبل أن نستوعب الفكرة، أعلن سبعة نشيطين في قائمة "ناصرتي" عن ترشيح أنفسهم للمنافسة على مقعد القائمة المحلية ضمن القائمة القطرية للكنيست. أنعم وأكرم! ولولا خشيتي من اساءة فهم المقصود لاقترحت على "ناصرتي" تحويل اسمها الى "كنيستي" أي الكنيست لي على نهج الناصرة لي، ولكن حرصا من فهمها على نحو آخر لا نقبله، أقترح عليها اسم "اورشليمي" حيث تقع الكنيست، فربما تمكنت القائمة الجديدة من الفوز بغالبية مقاعد الكنيست كما فعلت في الناصرة، وعندها لا نحتاج الى ائتلاف ونشكل حكومة "عربية" على هوانا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]