يثير مشروع القرار الفلسطيني/ العربي الذي تتمسك القيادة الفلسطينية بتقديمه الى مجلس الأمن بهدف استصدار قرار يفرض على دولة الاحتلال إتمام الانسحاب من الأراضي المحتلة في تشرين ثاني 2016 ( كما كان في اصل مشروع القرار) إضافة الى عناوين أساسية أُخرى، ثم التعديلات التي أدخلتها عليه، يثير جدلا خلافيا واسعا وعلى اكثر من مستوى.
اذا كان مضموناً أن الولايات المتحدة ستستعمل حق النقض «الفيتو» ضد القرار الفلسطيني وتسقطه، حتى مع التعديلات الجدلية التي أدخلت عليه، هذا على فرضية النجاح بتأمين الأصوات التسعة اللازمة لإقراره قبل لجوء الولايات المتحدة الى «الفيتو». إذن، فلماذا تم إدخال التعديلات ولماذا لم يتم التمسك بالقرار كما كان في الأصل؟
وإذا كانت أوروبا، وفي الواجهة منها فرنسا، لم تعلن حتى الآن التخلي عن مشروع قرارها الخاص الى مجلس الأمن، وإذا كان مشروع قرارها يحوي صياغات ملغومة تصب في صالح دولة الاحتلال لدرجة اعتبار البعض ان أوروبا تفاوض بالنيابة عنها، فلماذا إذن كانت التعديلات الخلافية التي أدخلت على مشروع القرار؟
واذا كان التحرك السياسي الشامل الذي قررت القيادة الفلسطينية القيام به وعنوانه الأبرز مجلس الأمن كشكل نضالي هام، يمثل رديفا لأشكال المقاومة الأُخرى، منسجما تماما مع عنفوان الحالة الجماهيرية ومترجما لها ومستندا إليها، فما الفائدة التي تبقى له اذا تحول الى زيت إضافي يصب على نار الخلاف الداخلي المستعر؟
ثم، لماذا أثارت التعديلات التي أدخلت على مشروع القرار كل هذا الجدل والخلاف حتى تطرّف البعض فشكك وأدان واتهم؟ ولماذا ادخلنا في مسار مرتبك من التعديلات، وتعديلات توضيحية على التعديلات؟
ان التحرك الفلسطيني نحو المجتمع الدولي بداية بمجلس الأمن، قد تم إقراره من قبل القيادة الفلسطينية وحظي بإجماع من أعضائها من تنظيمات منظمة التحرير وبتأييد واسع من الجماهير الفلسطينية وبتأييد بالصمت من قبل القوى الفلسطينية خارج المنظمة. اي انه شكل في حينه موضوع إجماع وطني.
وجاء تمسك القيادة بتحركها وبمشروع قرارها رغم الضغوط الهائلة التي تعرضت لها تأكيدا على الإرادة والقدرة على التحدي حين يتعلق الأمر بالمصالح الوطنية حتى ولو كان التحدي في مواجهة أميركا.
وجاء هذا التمسك أيضا، تأكيداً على رفض استمرار التعاطي مع قضيتنا الوطنية حكرا في العهدة الأميركية، ولصالح الإصرار على مرجعية دولية وعلى أساس قرارات الشرعية الدولية.
اقرار التحرك شكل استجابة وتفاعلا مع حالة التطور الإيجابي التي تسود الوضع الدولي وتتخذ لها ترجمات وتعبيرات على اكثر من مستوى واكثر من مجال شعبي ورسمي.
وهي حالة وان لم تؤت أُكلها الكامل بعد، فإنها تقوم على قاعدتين مبشرتين: الأولى رفض الاحتلال وعدم الاستعداد لتقبله والسكوت على استمراره، والثانية تأييد المطالب الفلسطينية المحقة وأولها الحق في دولة مستقلة.
لم يكن من المتوقع أن تسير أمور التحرك بخط مستقيم وسريع، فنحن لا نعيش في العالم لوحدنا، وميزان القوى لا يميل لصالحنا. وبدءا من الدول العربية، فلا بد ان يكون هناك آراء واقتراحات. لذلك كان متوقعا ان تجري بعض المواءمات والتوافقات والتعديلات على التحرك، ثم على مشروع القرار نفسه، شرط ألاّ يؤدي ذلك إلى إلغاء طابعه وضرب مرتكزاته الأساسية التي تمس بجوهره وتضعف أو تلغي الهدف من ورائه. لكن كثيرين يعترضون على التعديلات التي تمت بمنطق ودافع الخشية ان تؤدي فعلا الى ذلك.
الاعتراض جاء أولاً من تنظيمات شاركت في إقرار التحرك وأيدت مشروع القرار الأصلي، خصوصاً وأنها لم تستشر في أمر التعديلات، وانه لم يتم نشر نص المشروع الكامل لاطلاع للرأي العام. وجاء الاعتراض أيضا، من شخصيات عامة ومن الناس عموما، ثم لحقت بها متأخرة التنظيمات خارج المنظمة. وهذا ما جعل منه قضية خلافية عامة.
هذه الاعتراضات على التعديلات والجدل حولها والمطالبة بالمشاركة في نقاشها، جدية موضوعية ومسؤولة. فالتعديلات تتعلق بقضايا مفصلية، مثل حدود 1967 والتبادل والقدس ومرجعية القرار 181 واللاجئين وتتطلب أعلى درجات الدقة والوضوح.
وان التفسيرات بانها تعديلات صياغية لا تغير في الجوهر فرضتها ضرورات التلاقي مع المشروع الفرنسي/الأوروبي ولكسب التأييد لمشروعنا، لا تطمئن المعترضين ولا تلغي خشيتهم، خصوصا وان هناك صياغات حمّالة اوجه يمكن للعدو تفسيرها وفقا لرؤياه ومصالح احتلاله ويحولها بحكم ميزان القوى القائم الى حقائق على الأرض، ولتعود الأمور الى مربع الجدل حول التفسير والترجمة والتطبيق.
وما يزيد الخشية ان باب التعديلات والمساومات ما زال مفتوحا لم يغلق بعد.
الكلام عن جدية ومسؤولية هذه الاعتراضات، لا يلغي وجود اعتراضات واتهامات تبتعد عن الممارسة الديمقراطية لحق الاعتراض والتخوف وحتى الرفض، وتقوم على حسابات تنظيمية فئوية تهدف الى التصيد وتأجيج الخلاف وتسجيل النقاط وهي لذلك تتسم بالسلبية والتشكيك والاتهام بشكل غير مقبول.
والحال كذلك، لماذا نركب مركب التعديلات خصوصا وأننا بدأنا نرى نتائجه بأم العين: إما رفض لمشروع القرار بالضغط لمنع توفر الأصوات التسعة اللازمة او بالفيتو، وإما ان نسجل على انفسنا الموافقة على قرار لا نعرفه، ولا علاقة له بقرارنا الأصلي ولا يخدم تحركنا وهدفنا.
لماذا لا نتمسك بخطة تحركنا ومبادئها ومنطلقاتها كما أقرت في البداية وبموافقة الجميع، ونحافظ على وحدة موقفنا، وبما يخدم تمتين جبهتنا الداخلية وتجنب الإحباط.
لماذا لا نتمسك بمشروع قرارنا الأصلي ونقدمه الى مجلس الأمن. واذا ما نجح التخطيط لإسقاطه ذهبنا به الى الجمعية العمومية حيث فرصُ نجاحه أعلى بكثير.
[email protected]
أضف تعليق