في عالم الفن لا يكفي ان نكون موهوبين او عباقرة او اصحاب تجربة او علاقات عامة. لكي نصل الى النجومية ينبغي ان يعترف بنا المختصون والمتربعون على عرش المجال الفني الذي نريد خوضه وهذا امر ليس بالسهل، لأن هؤلاء المختصون يملكون الاحقية الحصرية على الفعاليات والنشاطات الفنية القائمة في المجتمع والتي تعود عليهم بالنفع المادي او المعنوي. لكي نصل الى عالم النجومية في الفن كالغناء والتمثيل والعزف وغيره نحن بحاجة ايضا الى اعتراف الناس بموهبتنا ولن يسعفنا اعتراف المختصين القابعين على عروش الفروع الفنية. هنالك من يفلح بالوصول الى النجومية دون اعتراف المختصين به ودون ان تقوم سلطة التلفزيون او الراديو ببث اغانيه او عرض افلامه او ان تقوم دور العرض بعرض رسوماته وذلك عن طريق الشارع بمعناه الواسع، فكثيرا ما نجد فنانين يعزفون على الطرقات او يرسمون وجوه المارة و يحيون الاعراس والمناسبات ويصلون الى النجومية او بالأحرى الى الشعبية عن طريق تقدير الناس لهم، الا نجوميتهم تخبو عادة بعد فترة قصيرة بسبب تدني مستواها
من المعتاد ان تقوم المجتمعات بإتاحة الساحات او المنابر للفنانين المغمورين ليتسنى لهم تخطي المبنى المهني الطبقي (الهرمي ) القائم الذي يقف سدا منيعا امام ارتقائهم ، وبرنامج عرب آيدول هو واحد من تلك المنابر. لم يخلُ البرنامج من فقرات في غاية الابداع والجمال وخفة الدم والمهنية العالية وهذا امر يدعو الى الفخر وقد تجلى ذلك في التقديم والتصوير والاوركسترا والاخراج والادارة المهنية . لكن حسب رايي المتواضع كان تصرف الحكام بعيد جدا عن المهنية والادراك لماهية وظيفتهم. ماذا يعني ان تقوم احلام بالتصفيق لاحد المتبارين "اهلا بابن بلادي..!". تخيلوا ان يقوم حكم مباراة كرة القدم او قاضي محكمة الصلح بالتهليل وبالتكبير لـ "ابن بلده" لقامت الدنيا وعمت الفوضى العارمة. المهنية العالية تتطلب الفصل بين الموهبة والانتماء الديني او القومي او اذا كانت بلد المتسابق منكوبة او انه خلق يتيما او كان مقعدا او انه يقوم بنشاطات من اجل مرضى السرطان او انه طويل او قصير او سمين او نحيف او ان هندامه عصري او فولكلوري هذا لن يعظم فرصه بالنجاح. كل تلك الامور غير هامة بتاتا وينبغي ان توضع جانبا.
عندما تلمّس هيثم خلايلة ان هنالك تعاطف من بعض الحكام مع القضية الفلسطينية وخاصة بعد تجربة محمد عساف بات هو الآخر ينشد لفلسطين ويدرج كلمة فلسطين بالأغاني التي يختارها وكذلك الامر بالنسبة لحازم شريف وآخرين. السؤال الذي يطرح نفسه "وماذا عن المستوى الفني؟" من المسؤول عنه؟ هل نحن في مهرجان تضامني مع مآسينا وكروبنا؟ ام اننا في سباق على الفن الأصيل؟
لقد ذهلت ايضا من قيام الحكام بالغناء امام ومع المتسابقين و تحويل البرنامج الى ساحة لعرض العضلات وهذا ادى الى تقزيم وتهميش المتسابقين وهذا امر بغيض جدا فقد جئنا لنستمتع بأصوات المتسابقين ونشاهد لهفتهم بالفوز. اما تسلط احلام على البرنامج واحتلالها لدفة الحكم وتكريس اقوالها وتعليقاتها للتملق لحكام الخليج ومدراء قناة الإم بي سي ومطربي الخليج فقد كان سخيفا ومقززا. في نظري تعليقات الحكام على اداء المتسابقين كان مملا ورتيبا وخلا من الالمام بفن الغناء والطرب. لا يصلح كل مطرب ان يكون حكما في مثل تلك البرامج مهما سطعت نجوميته بل على العكس من المفضل الا يكون مطربا وانما ملحنا او موسيقارا او منتجا للموسيقى صاحب تجربة في اصوات الناس كل الناس على اختلاف طبقات صوتهم والمنفتح فنيا وغير المتحزب لأي لون موسيقي. ان تحزب الحكام لما يزاولونه بأنفسهم ادى الى تصفية عمار الكوفي من كردستان واجراد يوغرطة من الجزائر. على الحكام ان يكونوا اصحاب كلمة وقدرة على التعبير والخوض في دقائق الامور لكي يقنعونا باختياراتهم وتفضيلاتهم.
عندما ينتقل الحسم بين المتسابقين ليد الجمهور فقل "ضاعت القضية" حيث تتحول المنافسة الى معركة انتخابية من المستوى المتدني ، وتدور الاشاعات حول المتسابقين للمس بفرص نجاحهم وتدور حرب كلامية بين المصريين والفلسطينيين "وبتعلق" بين اهل مجد الكروم ودير الاسد وبين السنة والشيعة دون يكون لذلك اية علاقة للفن وللفنانين. ما زال الانتماء الطائفي والاقليمي هو الذي يحركنا ويجعلنا نقف الى جانب المتسابق ام ذاك.
لم تكن عملية التصويت شفافة للمشاهدين، والحسم بين المتسابقين كان حصريا بيد القيمين على قناة الإم بي سي فقد اخبرونا بالنتائج حسب ما يضمن للبرنامج "ريتينغ" اعلى مما يضمن لهم تهافت الناس على التصويت عبر الهواتف الخليوية. لا استغرب ان يكون هيثم هو الفائز النهائي لكن فوزه كان سيضر بشعبية البرنامج واقبال الناس على التصويت في المرة القادمة، فسيسأل المشاهد اللبناني او المصري او التونسي نفسه "لماذا" اجهد نفسي واصوت لهذا المرشح ام ذاك اذا القصة "مبيوعة" للمتسابقين الفلسطينيين تعاطفا مع قضيتهم. "الريتينغ" يتطلب التنويع في قومية الفائز والى اخراج متسابقي البلاد الفقيرة او غير المتواجدة على الخارطة الشرق اوسطية في المراحل الاولى وهذا غير عادل.
مع كل ذلك تظل عرب ايدول تجربة رائدة وومضة فنية تبشر باننا شعب موهوب ومحب للفن وقادر على الخروج من محنته والتحليق عاليا. ليتنا نراجع انفسنا ونستنتج النتائج مما هو صالح وما هو طالح ونسعى دائما الى الافضل. مبروك لهيثم ومنال فقد وضعتمانا على خارطة المنطقة.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
أهنئك يا أخ رفيق على ألمقال الذي وضعت به النقاط على الحروف والاصبع على الجرح النازف!