في كثير من الأحيان، وخصوصاً في الأوقات العصيبة والأزمات الصعبة بين مجموعات وفئات- عائلية، اجتماعية، سياسية، قومية، دينية- ... هذه الازمات التي تتصاعد لصراع، تبرز الهويات انفة الذكر( العائلية ، القومية ، الدينية ) في سياق تصادمي، تتشبث كل فئة فيها بتلك الهوية وتغذيها وتتمسك فيها كعامل موحّد للرد على الاخر وكأساس تجميع وقوة بين أفراد تلك المجموعة.
هذه الهويات تتقلص او تقل أهميتها في سياق الحياة العادية، غير المأزومة، بين الفئات الاجتماعية المختلفة بل ويمكن محاولة احتوائها من خلال "تعايش" او جعل الحياة طبيعية بين تلك الفئات، وقد كان سعي الدولة الحديثة للمحاولة من تقليص هذه الهويات بل وحتى محاولة محوها من خلال طرح مصطلح المواطنة ومحاولة تطبيقه ، ولكن هذه المحاولات باءت بمعظمها بالفشل .لأن الطبيعة البشرية تبنى على دوائر انتماء وهوية لا يمكن الاستغناء عنها ...فكيف اذا كان الأمر بين فئات ومجموعات متصارعة وفي ما بينها مظلومية تاريخية مستمرة!
هذه المقدمة جاءت في سياق قراءة علاقة الفلسطينيين في الداخل مع المؤسسة الاسرائيلية، فمع السعي الدائم لمحاولة احتواء العرب في الداخل الفلسطيني على أساس أنهم مواطنون لهم ما لهم وعليهم ما عليهم، مع وضوح التفضيل اليهودي على أساس تعريف الدولة كديموقراطية ويهودية، ولكن هذه المحاولة بتجريد الفلسطينيين من هوياتهم الاخرى باءت بالفشل لسببين:
الأول يكمن في عدم تبني نموذج مدني كامل يسعى للمواطنة من قبل المؤسسة الاسرائيلية بين كافة قاطني هذه البلاد واعطاء الفلسطينيين حقوقهم وفق هذا الاساس.
هذا الأمر كان سيقلل حدية التصادم، مع أنه لن يمنع وقوع تصادم كهذا ولكن كان يمكن أن يكون حل مؤقت او مُسَكِنْ، لكون نموذج كهذا في مجتمعات مقسمة بشكل حاد لم ينجح بشكل واضح فكيف بمجتمع يعيش حالة من الشعور بالغبن ويعيش مأسي النكبة والاحتلال.. وباعتقادي فإن الأزمة والحل لا يكمنان هنا بالأساس.
الثاني: هو أن انتماء هؤلاء الفلسطينيين لأرضهم ووطنهم ومقدساتهم متأصل، وما يغذي هذا الانتماء هو الغبن والظلم ناهيك عن انتهاك الحرمات الدينية والوطنية التي يعيشها الفلسطينيون في الداخل من قبل المؤسسة الاسرائيلية.
يبدو أن الوقائع الاخيرة جاءت لتكون رصاصة الرحمة على فكرة امكانية قبول الاخر متناسين المظلومية التاريخية والحالية، وفي مثل هذه الحالة يصبح كل صدام وصراع محفز للتمسك بالهوية والتشبث بها، للشعور بأن الاخر لن يقبلني مهما كنت وأني كفلسطيني في البلاد مستهدف، وعليه يجب علي السعي لتقوية ذاتي وتمسكي بهويتي. ويبدو أن سياسية المؤسسة الاسرائيلية بقياداتها المختلفة من حيث انتمائها للقوس السياسي عمقت الشرخ بينها وبين الفلسطينيين في الداخل وساهمت، من حيث احتسبت او لم تحتسب، بتعميق الانتماء والهوية لفلسطيني الداخل بدلا من محاولة "احتوائهم" والنخر في هويتهم بسياسة تصالحية خبيثة يمكن أن تجعل الفلسطيني في الداخل قابلاً للتعايش مع هذه المؤسسة ولو لحد معين.
فكانت احداث القدس والاقصى وقتل الشاب خير الدين حمدان بدم بارد، احداث في طريق المحافظة والمساهمة على الهوية للفلسطينيين في الداخل وأحد عوامل تقويتها لمفارقة المؤسسة الاسرائيلية بسياساتها.
المثير في هذا الأمر أن الجيل الصاعد من شباب وشابات بات هو رأس الحربة ومن أكثر المتشبثين بانتمائه وهويته وهو الجيل الرابع للنكبة الذي يعمل ويدرس في المؤسسات الاسرائيلية وما كان ذلك ليكون لولا غباء المؤسسة الاسرائيلية وعدالة قضية الفلسطينيين في الداخل وهو ما عمق انتمائهم لوطنهم ودينهم وقضيتهم والتفافهم حولها.
[email protected]
أضف تعليق