عشر سنوات مرت على رحيل القائد الفلسطيني الرمز ياسر عرفات، الذي استطاع ان يصبح من قائد مجموعة ثورية صغيرة، إلى رئيس منظمة تحرر فلسطينية، حصلت في عهده على مكانة في الامم المتحدة بصفة مراقب، وعلى اعتراف عشرات الدول بها كمنظمة شرعية وحيدة للشعب الفلسطيني، وفي عهده أيضا أصبحت هذه المنظمة عضوا في الجامعة العربية.
في شهر نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 1988، عقد المجلس الوطني الفلسطيني دورته التاسعة عشر في الجزائر، والتي كنت مشاركا فيها، وحينها أعلن الرئيس الراحل أبو عمار عن تأسيس دولة فلسطين، وتلا بنفسه وثيقة الاستقلال على المشاركين في الدورة، وكانت هذه المرة الأولى التي يتم فيها الاعلان من بلد عربي عن تأسيس دولة فلسطين، التي اعترفت بها أكثر من مائة دولة، وذلك بفضل جهود الراحل عرفات، وحنكته السياسية وقوة تأثيره في المحافل العربية والدولية.
التقيت الراحل لأول مرة في العام 1969، بعد فترة قصيرة من انتخابه رئيسا للجنة التفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وتوالت اللقاءات بعد ذلك، وفي كل مرة كنت ألتقيه كان إعجابي به يزداد عن المرة السابقة التي جمعتني به.
ذكرياتي الصحفية مع الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كثيرة ومتعددة، وخلال سنوات طويلة جدا من معرفتي بالقائد الراحل، كانت العلاقة معه في صعود وهبوط، أي أنها كانت مرتبطة بمواقفه من أمور سياسية معينة على الصعيد الفلسطيني. وبما أني لم أكن من المنتمين لحركة فتح التي أسسها وترأسها الراحل حتى وفاته، ولا لأي تنظيم فلسطيني آخر، فقد كانت لدي إمكانية توجيه الانتقاد كصحفي فلسطيني ملتزم بقضيته بالدرجة الأولى، لكل تنظيم فلسطيني تصدر عنه أخطاء سياسية، دون أخذ الاعتبار لقائد هذا التنظيم أو ذاك، وكان الراحل يحترم موقفي.
عرفت أبو عمار قائدا صريحاً ولا سيما مع الصحفيين. فبعد خروج قوات المقاومة الفلسطينية من الأردن في سبتمبر/أيلول عام 1970 والتوجه إلى لبنان، التقيت الراحل في بيروت ضمن ثلاثة صحفيين لبنانيين، وذلك في لقاء خاص. وكنت دائما شديد الحرص على عدم إحراج الراحل في أسئلة لا تروق له طرحها، ولذلك كنت أبتعد قدر الامكان عن عدم إزعاجه أو استفزازه، لكن في ظروف سياسية معينة، لم ألتزم بهذا المبدأ. قررت أن لا أضايق الراحل في هذا اللقاء، وأعطيته ورقة صغيرة استأذنته فيها بطرح سؤال عن أخطاء التنظيمات الفلسطينية، والتي تسببت في طرد القوات الفلسطينية من الأردن، وعما إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية قد تعلمت درسا من ذلك، لعدم ارتكاب أخطاء مماثلة في لبنان.
كنت أتوقع من الراحل أبو عمار ردا سلبيا، بسبب حساسية الظروف السياسية آنذاك، وبعد انتهاء جوابه على أحد أسئلة الزملاء، فاجأني بصراحته المعروف بها، بالقول: " عاوز تسأل إيه يا احمد". فشكرته وطرحت عليه السؤال علانية. وكان موقفه في منتهى الوضوح والشفافية، وحذر من كل سلوكيات فلسطينية تمس بهيبة الدولة اللبنانية، مع الالتزام كليا باتفاق الطائف من الجانبين الفلسطيني واللبناني.
بعد الاجتياح الاسرائيلي للبنان في العام 1982 وخروج القيادات الفلسطينية من العاصمة اللبنانية بيروت بترتيب دولي، استقر الراحل أبو عمار في تونس. بعدها بسنوات التقيته في الجزائر، وسألته عن تصوراته للمرحلة القادمة، وماذا بعد تونس. فأجاب مبتسما: " طبعا فلسطين بعد تونس" ، لكن هذه الابتسامة كانت تخفي وراها الكثير من الأمور، فبعد ذلك انعقد مؤتمر السلام في مدريد، وحصل اتفاق أوسلو، الذي أوصل الراحل بالفعل إلى فلسطين. رحمة الله عليك أبو عمار.
[email protected]
أضف تعليق