لم يحدث في تاريخ التجمع الوطني الديموقراطي منذ تأسيسه (وبرأيي ولا بتاريخ أي حزب آخر) أن واجه في أسبوع واحد هذا الكم من حملات التحريض والتشويه والتهويش الإعلامي، ثلاث حملات إعلامية مبرمجة وموجهة ضد التجمع وقياداته وكأننا حزب في السلطة!
بدأنا بحملة ترويجية موجهة بفيديو الشيخ كمال خطيب مع إبراز فقرة "القدس عاصمة الخلافة الإسلامية الراشدة"، ويظهر في الفيديو ثلاثة من قادة التجمع الوطني في قيادة مظاهرة التضامن مع القدس والأقصى. وتم الترويج لهذا إعلاميا وبواسطة شبكات التواصل الاجتماعي ونسي الناس ما كنا نتظاهر بشأنه "القدس والأقصى" اللذين يتعرضان اليوم إلى محنة حقيقية بواسطة قوات الاحتلال وقطعان المستوطنين اليهود المتدينين، وتحول النقاش إلى موضوع لا يتعدى اليوم كونه قضية إيمانية لا تعدو أضغاث أوهام في محك الواقع اليومي للقدس التي تنوء تحت الاحتلال الصهيوني والتهويد الداهم والبناء الاستيطاني، وحالة الانتفاضة الحقيقية التي تعيشها القدس.
وقد طولب التجمع، التجمع فقط، بالتفسير والاستنكار ( مع أن قيادة أحزاب أخرى ومنها الجبهة كانت في المظاهرة). وقام التجمع وقياداته بدون انتظار مطالبة من أحد وكما يليق بحزب يقود الحركة الوطنية بتوجيه اللوم والعتب واستنكار ما ورد في خطاب الشيخ كمال واعتباره خارجا عن وحدة الصف المطلوبة هذه الأيام للدفاع عن القدس وعن المقدسات. لم نتلعثم ولم نقم بأي حسابات سياسية وحزبية وقلنا جهارا ما يجب أن يقال، ومع ذلك استمر اللغط والبلبلة وتوجيه العتب لنا من الناس الطيبين، والأسهم السامة من قبل المغرضين، وهذا ما يثبت صحة وجهة نظرنا حول قلة المسؤولية وخطورة أن يطلق هكذا تصريح من قائد في الحركة الاسلامية وفي هذا الوقت بالذات.
لنا نقاش طويل وشائك مع الحركات الإسلامية حول دورها ووظيفتها في الساحة الفلسطينية عموما، ولدى عرب الداخل على وجه الخصوص، وسنخوض هذا النقاش حتى النهاية متمسكين بمبدأ الوحدة الوطنية وتصليب النسيج القومي والموحد لشعبنا على أي شيء آخر. وقد آن الأوان لكي يغلب ويتمسك الجميع بهذا المبدأ أيضا، وأن يروا المخاطر الجمة التي تحيط بنا مع استمرار بل وتوغل الاحتلال الصهيوني الوحشي والتدخل الأجنبي الغربي والإيراني في المنطقة من ناحية، وتصاعد الانقسام والشرذمة والإرهاب الديني الوحشي المتمثل بما يسمى تنظيم الدولة الاسلامية، والتهديد الحقيقي الذي تتعرض له الأقليات الدينية في العراق وسوريا من ناحية أخرى. هذه كلها تشكل ليس متغيرات عادية بل زلازل وعواصف حري إزاءها بكل الأحزاب والتنظيمات خاصة الاسلامية منها أن تعيد حساباتها وتعيد ترتيب أولوياتها بحيث تضع على رأس السلم بناء الوحدة الوطنية كركيزة إستراتيجية أولى في حماية شعبنا وتحصينه أمام كل ما يحدث.
لم يهدأ غبار عاصفة "عاصمة الخلافة" وإذ وبسرعة النار في الهشيم تنتشر الحملة الهوجاء في موضوع تكريم فريق أبناء سخنين لقطر لدعمها السخي للفريق ولعزمي بشارة على مساعدته في ذلك. وقامت دنيا اليمين العنصري الفاشي ولم تقعد، ومع الزعيق والوعيد والتحريض الدموي على التجمع وعلى بشارة من مزابل اليمين الصهيوني العفنة انضم بعض الناعقين ممن لا يفوتون فرصة للهجوم على عزمي والتجمع حتى لو تواجدوا مع ليبرمان وميري ريجيف في نفس الخندق، وقد تصدى التجمع لهذه الحملة بشراسة من خلال كل المنابر الإعلامية، وتحول موقف أبناء سخنين إلى موقف مشرف وأصيل في شكر من يستحق الشكر بالنيابة عن شعبنا كله، وتحول بسرعة صراخ وجعير ونعيق اليمين الفاشي إلى ليس أكثر من فحيح متلاش، وانتهت الزوبعة إلى فنجان صغير كما كنا نتوقع، لم يبق منها إلا ذلك الشعور بالغثيان من حديث ذلك الإعلامي العربي الانبطاحي المتأسرل والمتباكي للحصول على شرعية ورضى الاسرائيليين ولنيل إعجابهم، الذي انتقد فريق سخنين أنه لم يقرأ بشكل صحيح المزاج الجماهيري الاسرائيلي وبرر لسخنين تكريم عزمي بشارة بأن إسرائيل لم تسحب المواطنة منه "بعد"، أو لم تحاول إجباره على العودة كما فعلت مع مجرمي الحرب، أسرلة على فقدان للكرامة وعزة النفس والعنفوان يثير فعلا الغثيان مع هكذا تصريح سيستقبلونه بأذرع مفتوحة في كل حزب صهيوني.
وقبل أن تهمد هذه العاصفة خرجت مرة أخرى أوركسترا الإعلام العبري وبشكل منسق ناقلة تصريح حنين زعبي حول المقارنة بين جيش الاحتلال وداعش (بمعنى خلال وقت قصير جدا أصبح هذا هو الخبر الرئيسي في كل المواقع ونشرات الأخبار)، وتلاه مرة أخرى طوفان التصريحات العنصرية الفاشية من نفس الأشخاص الذين كانوا يتوعدون سخنين قبل أقل من 24 ساعة.
فعلا لا يمكن المبالغة في وصف تأثير هذا الكم من الهجوم وفرض المواجهة والتصدي على حزب صغير صاحب موارد محدودة في أسبوع واحد. هناك من يرى وبحق في هذا شهادة للدور النوعي والموقع الخاص والتأثير المتصاعد الذي أصبح يحظى به التجمع، ويرى في ما حصل كله، نوعا من تكريس النفوذ وتوطيد الموقع القيادي، ولكن لا ننسى أن هذا كله يحدث قبل عودة الكنيست للانعقاد بأسبوع، وهذه العودة ستكون مصحوبة بمعارك ومواجهات عديدة على رأسها قرار لجنة الأداب بالكنيست غير المسبوق بإبعاد النائب حنين زعبي عن الجلسات لمدة ستة أشهر.
التصدي لهذا القرار ومواجهة كل القوانين العنصرية المتوقعة من جعبة اليمين الاستيطاني والليكود الفاشي يتطلب وحدة وتنسيق وتعاون وثيق بين الأحزاب العربية لدرجة عالية من التفاهم والانسجام، وهذا غير متوفر حاليا، وإن كانت تلوح بوادر إيجابية في الأفق. ملقى على كاهل التجمع، كما يبدو ايضا، لعب هذا الدور التاريخي في إعادة بناء وصياغة العلاقة بين القوى السياسية العربية لبناء المؤسسات القومية الجامعة، وعلى رأسها انتخاب لجنة المتابعة من جهة، والتحضير لخوض الانتخابات البرلمانية القادمة بتحالف غير مسبوق يزيد التمثيل العربي في الكنيست ويقلب الطاولة على ليبرمان وعلى كل من سعى للقضاء على هذا التمثيل عبر رفع نسبة الحسم.
التجمع قادر وجاهز للقيام بهذا الدور سوية مع قيادات الأحزاب العربية الأخرى انطلاقا من الإدراك المشترك لدقة الظرف التاريخي الذي تمر به القضية الفلسطينية والمنطقة بأسرها، وللحاجة الماسة للجم اليمين الاستيطاني الفاشي الإسرائيلي وللدور النوعي الخاص المنوط بعرب الداخل في هذا المجال، هذا هو وقت المبادرة لتفعيل وتوطيد القواسم المشتركة وتهميش الفوارق والتمايزات والخلافات، هذا هو وقت تقديم التنازلات وتفضيل المصلحة الوطنية على المكاسب الحزبية الضيقة والتجمع في طليعة المبادرين.
[email protected]
أضف تعليق