على مدى أشهر طويلة، زُرع في عقول أبناء المنطقة بأن تنظيم "داعش"، هو ذلك الوحش الذي لا يقهر، كما كان الحال مع الجيش الإسرائيلي قبل تجربة حزب الله الّذي إنتصر عليها، لكن اليوم بعد معارك مدينة عين عرب السورية، أو كوباني في اللغة الكردية، لم يعد من الممكن التسليم بهذه الفرضية، فقد إستطاعت المدينة المحاصرة منذ ما يقارب العام الصمود، لا بل حتى الإنتصار، حيث يؤكد المقاتلون الأكراد أن بداية نهاية التنظيم ستكون على أيديهم.
نجحت "البروباغندا" الإعلامية، التي يعتمدها مقاتلو "داعش"، في حسم نتيجة أكثر من معركة قبل بدايتها، وما حصل في الموصل كان أكبر دليل على ذلك، حيث كان يكفي أن يقال أن "داعش" ستهاجم هذه البلدة أو المدينة لتسقط دون أي مقاومة، لأنّ سكانها عاشوا هاجس الجرائم التي كان يقوم بها الارهابيّون في مدن وبلدات أخرى، لكن هذا الأمر لم يعد وارداً اليوم.
"داعش" وحش من ورق
ليس هناك من قوة لا تقهر في العلم العسكري، المطلوب الإعداد والتحضير لأي معركة، وعند ذلك يمكن هزيمة العدو من خلال التصميم على القتال والإنتصار، هذا ما يؤكد عليه رئيس لجنة هيئة العلاقات الخارجية في كوباني إبراهيم كردو، في حديث لـ"النشرة"، حيث يشير إلى أن "داعش" كان قبل بداية المعركة في نظر الكثيرين "الوحش" الذي لا يكسر، لكن الأكراد إستطاعوا المقاومة على مدى ما يقارب 40 يوماً، على الرغم من إستخدام التنظيم الأسلحة الثقيلة وجلب الإمدادات من أكثر من منطقة.
بالنسبة إلى كردو، الموضوع يعود إلى أن المقاتلين الأكراد وضعوا نفسهم أمام خيارين لا ثالث لهما، المقاومة أو الموت دفاعاً عن الأرض والكرامة، لا سيما بعد أن شاهدوا مجازر "داعش"، التي لم يسلم منها أحد في سوريا أو العراق، وإنطلاقاً من ذلك كان القرار الواضح بالصمود بكل الإمكانات المتاحة.
إلى جانب هذا القرار الحاسم، يتحدث كردو عن عامل مهم في المعركة، هو الإحتضان الشعبي لقوات حماية الشعب، حيث كان الجميع في خندق واحد، المدني والعسكري يحمل السلاح اليوم من أجل الدفاع عن المدينة، حتى الفتيات بلغت نسبة مشاركتهم في القوات العسكرية ما يقارب 30%، وهنّ سطّرن بطولات يشهد العالم أجمع عليها.
بدوره، يشدد الصحافي الكردي مصطفى بالي، الموجود حالياً في كوباني، على أهمية العقيدة القتالية الموجودة لدى وحدات حماية الشعب الكردي ووحدات حماية المرأة، والتي تنص على عدم الإستسلام والقتال حتى الطلقة الأخيرة، وهي لا تكون في مخزن السلاح بل في جيب المقاتل من أجل أن يطلقها على نفسه كي لا يستسلم.
من وجهة نظر بالي، قوات حماية الشعب إنتصرت بمجرد عدم الإستسلام أو الهروب من وجه "داعش"، الذي يعتمد بشكل أساس على خلق الرعب في نفوس الخصم، وهو نجح في ذلك في أكثر من مكان إلا أنه فشل مع الأكراد، حيث يوضح، في حديث لـ"النشرة"، أن إستهداف عين العرب بدأ في 20 تموز من العام 2013، ليشير إلى أن التنظيم يحاول من 15 أيلول الماضي إعادة الهجوم بعد أن نجح بالسيطرة على المناطق المحيطة، وتمكن من الحصول على أسلحة حديثة بعد غزوة الموصل، ويضيف: "الجميع توقع الهزيمة خلال 3 أيام لكننا حتى الآن نقاوم".
المقاومة تقود إلى الإنتصار
لم تعد قوات حماية الشعب الكردي، تتحدث اليوم عن الصمود في وجه هجمات "داعش"، بل بات الهدف اليوم هو هزيمته من خلال الإنتقال إلى مرحلة الهجوم.
يشدد كردو على أن الهروب منذ البداية لم يكن خياراً وارداً، ويوجه رسالة إلى كل الشعوب التي تشعر بالخطر نفسه، بالتأكيد أن الإستسلام لا ينفع، بل المطلوب توحيد الصفوف ونبذ الخلافات لأن المقاومة هي الخيار الوحيد القادر على القيادة نحو الإنتصار، بعيداً عن إنتظار الخارج وتنفيذ أجنداته الخاصة.
ويعتبر كردو أن الأكراد أثبتوا للعالم أجمع، بامكانيات ضعيفة، القدرة على هزيمة "داعش"، ويلفت إلى أن مقاتل التنظيم ليس ذلك الشرس الذي صوّر في وسائل الإعلام، لكنه يعتمد على زرع الخوف في نفوس المواطنين عبر الترهيب بقطع الرؤوس وحرق المنازل، بالإضافة إلى إستغلاله البسطاء الذين لا يعرفون خلفيته، ويضيف: "من خلال المواجهة هو ليس البعبع الكبير ويمكن هزيمته بسهولة بالإرادة وتوحيد الصف".
يعترف كردو بأن الجزء الأساس من المعركة كان نفسياً، في البداية شعر السكان بالخوف، وهرب ما يقارب 50% من المدنيين، لكن بعد أن شاهدوا البطولات التي تُسجل في مدينتهم عاد القسم الأكبر منهم من أجل المشاركة بالدفاع عنها.
ويتطرق بالي إلى المرحلة التي تم فيها الحديث عن دخول عناصر "داعش" إلى بعض شوارع كوباني، وينقل عن المقاتلين الأكراد تأكيدهم في ذلك الوقت أن أي مدينة يمكن أن تسقط، لكنهم كانوا يشددون على أنهم سيسألون عناصر التنظيم في كل شارع وعند كل حائط: "ماذا تفعلون في مدينتنا؟".
يعدد بالي العوامل التي ساهمت في صمود كوباني: "بعض المدن التي دخلها "داعش" تعايش سكانها مع الواقع الجديد، لكن في عين العرب، لم يجد أي بشري لا بل لم يجد حيوان في أي مكان يصل إليه"، ويشير إلى أن هذه رسالة سياسية واضحة برفض وجوده من المدنيين، بالإضافة إلى الإحتضان الشعبي الذي حصل حول قوات حماية الشعب، ليس فقط من قبل أكراد سوريا بل من قبل أكراد تركيا أيضاً.
ويطمئن الصحافي الكردي إلى الأوضاع في مدينته، حيث يؤكد أن المقاتلين يوجهون ضربات قاسية لعناصر "داعش"، وهم انتقلوا من مرحلة الدفاع إلى الهجوم، وينقل عنهم تأكيدهم بأن بداية نهاية التنظيم الإرهابي ستكون من كوباني.
رسالة إلى شعوب المنطقة
بالإنتقال إلى الشق السياسي، يشدد المسؤول الإعلامي في حزب "الاتحاد الديمقراطي الكردي" نواف خليل، في حديث لـ"النشرة"، على أن ما يحصل في المدينة هو رسالة إلى جميع السوريين واللبنانيين والعراقيين في كيفية مواجهة الجماعات التكفيرية، ويؤكد أنه إذا كان هناك قادة ومقاتلين مصممون على الإنتصار سينتصرون لا محالة.
يشير خليل إلى أن هذه ليست المواجهة الأولى التي تخوضها قوات حماية الشعب وقوات حماية المرأة مع تنظيم "داعش"، لكنه يعرب عن سعادته لأن العالم بات ينتبه اليوم إلى القوة التي يمتلكها الأكراد في مثل هكذا معارك، ويؤكد أن المعركة اليوم هي معركة الدفاع عن كل شعوب المنطقة في مواجهة الإستبداد التكفيري المدعوم من بعض الجهات الإقليمية.
لا يخفي خليل الرغبة بالتواصل مع جميع الجهات التي لديها نية في محاربة المشروع الإرهابي، ويلفت إلى أنهم يسعون إلى تقديم الإدارة الذاتية في كوباني كنموذج عن سوريا المستقبل التي يجب أن تنعم بالتعايش المشترك بين كافة مكونات الشعب، ويضيف: "اليوم هناك تواصل معلن مع الولايات المتحدة، ونسعى إلى أن يحصل الأمر نفسه مع الدول الأوروبية".
في النهاية يبقى الاشارة الى أن ما يحصل في كوباني في سوريا هي دعوة للعراقيين والسوريين لمحاربة التكفيريين ودحر عقولهم المتحجّرة، فداعش والنصرة وحوش من ورق.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
حيث ان في اوائل القرن الماضي كانت الكومباني اي الشركه الالمانيه لمد سكك الحديد متواجده في هذه المنطقه. لذلك اطلق هذا الاسم من جديد من قبل الغرب لانهم يريدون البلدان العربيه كومباني او بعد التحريف كوباني شركات لمصالحهم.