تحت هذا العنوان ("شخصية العام") كتب الوزير والنائب السابق، يوسي سريد، مقالته الأسبوعية في صحيفة "هآرتس" (الأربعاء 24/9)، متناولاً موضوعاً يتعلق بأبهى وأنبل الجوانب الإنسانية في العلاقات والروابط بين العرب واليهود في هذه البلاد المنكوبة بالعنصرية والتطرف والانفعالات،وتتمحور المقالة حول الواجب الاجتماعي الأخلاقي الذي تجلى لدى عائلة عربية تجاه طبيب يهودي كان قد أجرى عمليتين جراحيتين لولديها، فانكتبت لهما حياة هنيئة،وخلال الحرب الأخيرة على غزة،فقد الطبيب حفيده الجندي، وأصرت العائلة العربية على تقديم واجب العزاء لهذا الرجل الذي اختاره يوسي سريد "شخصية العام" بانتهاء السنة العبرية،تقديراً وعرفاناً.
واخترنا ترجمة ونشر الجزء التالي من المقالة،الذي يتناول صلب الموضوع،نظراً لكونه سرداً إنسانياً يوثق مأثرة طافحة بالشهامة والأريحية والعرفان بالجميل.
غسان بصول – موقع بكرا
* * *
"قبل شهرين، في نهاية تموز يوليو الأسود،هاتفني صديقي ومستشاري سابقاً،عبد الحليم الزعبي، من قرية "نين" قرب العفولة،طالباً مني،بعد ثلاثين عاماً من الصداقة الخالية من الطلبات الشخصية،أن أرافقه وأسرته،لزيارة البروفيسور "برناردو فيدنا"،للقيام بواجب العزاء له،بفقدان حفيده "عومر" الذي قتل في خانيونس.
"سألت نفسي : ما العلاقة بين "آل زعبي"، وبلدة "سفيون" الغارقة في الأسى ؟ فتذكرت أن "فيدنا" كان قبل سنوات طويلة،قد أنقذ حياة الطفلة "هيا" (ابنة عبد الحليم) البالغة الآن (22) عاماً ،وتدرس موضوع الصحافة والإعلام، وبعد بضعة أشهر أجرى عملية قلب مشابهة لابن عمها "عمر"،أنقذته هو الآخر.
"قال لي عبد الحليم بالهاتف: لن نسامح أنفسنا ما لم نقدم واجب العزاء لهذا الرجل الذي منح الحياة لأسرتنا. ولم يسهب في الكلام، لكن لم يكن صعباً علي أن أفهم أن العائلة تتهيب الذهاب إلى أواسط البلاد، دون أن أرافقها،في هذه الأوقات المشحونة بالكراهية والخوف والتعديات.
"تخيلوا لو أن أحداً أستوقفهم وهم لوحدهم في سيارتهم، وطلب منهم التعريف بهويتهم،بينما هم أربعة أشخاص في سيارة واحدة،فيسألهم أفراد الشرطة: هل أنتم أقارب تلك "الزعبية" – ما أسمها؟ وعلى الفور يعلن الشرطيون بجهاز الإرسال:هؤلاء يروون لنا أنهم ذاهبون لتعزية عجوز يهودي،يا لهم من مضحكين،هؤلاء العرب.والآن نتوجه جميعاً إلى قسم الشرطة.أضرب!
"انضممت إلى الركاب الأربعة في الطريق إلى منزل " برناردو فيدنا"، وهو من خيرة الأطباء، ومن أنبل الناس. كان في السيارة "هيا" ووالدها،و "عمر" ووالده،وهو مسلم تقي ورع، وتدل على ذلك طلعته المهيبة.
"كان التأثير والانفعال بادياً على البروفيسور حين شاهدهم،وقال : أعرف أنه لم يكن من السهل عليكم القدوم إلى هنا في مثل هذه الأيام.وبعد ذلك أزاح بيده،برفق،ياقتي "هيا" و "عمر"،ليشاهد آثار مبضعه الشافي.
"وخلافاً لبعض زملائه الأشرار،أضاف قائلاً : خلال عملي أنقذت الكثير من المرضى،في غزة أيضاً.وما كنت أتردد،اليوم أيضاً،في معالجة إرهابيين وعائلاتهم.لا يجوز أن أتأثر كطبيب بمصيبتي الخاصة.هم أغبياء ونحن أغبياء،ولا توجد في عائلتنا مشاعر الكراهية ونزعة الانتقام.
"البروفيسور فيدنا هو شخصية العام المنتهي المشؤوم، وليس من وجهة نظري وحدي،وليس لعام واحد،وهذا ما أخشاه.أنه الممثل الإنساني الخارق لجيل الأجداد.أنه جيلنا،الذي يواصل السير على نهج الفداء،والذي سيجري الحديث عنه غداً في الكنس.فأين الشاة الضحية،وأين الرب المنادي.
"تعانق الضيوف ومضيفهم، متودعين. في طريق العودة حاول عبد الحليم أن يخفي دموعه،لكننا رأيناها.فقد بكى على "عومر" الذي رحل،وعلى أمه وأبيه،وعلى جده وجدته...وعلينا".
[email protected]
أضف تعليق