يبدو أنه غبي، أو يريد تجميل واقع سياسي، ليس كما يريد ويشتهي، إذا كان لم يدرك، بأن الرئيس الأمريكي أوباما يواجه معضلات سياسية عدة. كشف عن بعض تفاصيلها، واحتمالات المخاطر التي قد تنجم عنها، اجتماع قادة حلف الأطلسي الذي انعقد في ويلز، وكان قد وضع نسقاً مهماً من تلك المعضلات على المحك العملي، بنود قرار مجلس الأمن الدولي 2170 المتعلق بمحاربة الإرهاب الذي يمثله تنظيم "داعش"، و"جبهة النصرة"، والمشتقات الأخرى لهذين التنظيمين الإرهابيين، في كل من سوريا والعراق، وجاء في مقدمة هذا القرار الذي تقدمت به بريطانيا وساندته أمريكا، وحظي بإجماع أعضاء المجلس، احترام السيادة الوطنية لكل من هذين البلدين، ولعل من بين أهم المعضلات السياسية والعسكرية التي طفت على سطح اجتماع ويلز في وجه أوباما بحسب محللين سياسيين:

1- إن حلف الأطلسي لم يعد في زمن التفرد بالقرار الدولي.

2-إن المعادلات السياسية والعسكرية الحاكمة، تواجه حالياً حلفاً جديداً يتكون من روسيا ودول البريكس وإيران ومحور المقاومة الذي تعتبر سوريا فيه، رأس الحربة، ومرتكز الصمود.

3- انكشاف مدى وحجم التورط الأوروبي الذي سعت ودفعت إليه واشنطن باستغلال الأزمة الأوكرانية في وجه روسيا لحساب مصالحها الإمبراطورية، بعد أن فقدت الكثير من ركائز بسط هيمنتها مع بداية ظهور عالم جديد متعدد الأقطاب، تشكل القوتان الرئيسيتان فيه كل من روسيا والصين.

4- انكشاف سياسة المعايير المزدوجة التي حكمت توجهات واشنطن في مسألة محاربة الإرهاب فظهرت عارية بوصفها، النفاق السياسي والأخلاقي بعينه، ولاسيما أن الإرهاب واحد مهما اختلفت أشكاله ومسمياته. وهو ما نصت عليه وفصلت فيه مندرجات القرارين الدوليين 1373 و2170 المتعلقين بمكافحة الإرهاب وتجفيف أصوله ومنابعه وتعرية مموليه ورعاته.

ولن تنفع سياسة الكيل بمكيالين الأمريكية، المراهنة مجدداً بذوي الياقات البيضاء القابعين في غرف المخابرات الأمريكية والصهيونية ومتعددي الجنسيات الأخرى، لتزوير الحقائق وتغطية جماعات الإرهاب المعروفة والموصوفة واعتمادها لتكون وسيلة طويلة الأمد للقتل والتدمير وتصفية الحسابات...!؟

في هذا السياق فإن السؤال المطروح أمام الرئيس الأمريكي أوباما الذي سيترأس اجتماع الدورة المقبلة للأمم المتحدة في 25 من أيلول الجاري هو ما إذا كان يريد حقاً محاربة الإرهاب كما نصت قرارات مجلس الأمن بما فيها قراره الأخير 2170 الصادر بتاريخ 15/8/2014، بالأفعال وليس بالأقوال، أم إنه يريد تصفية حسابات مريضه، عششت في عقله وعقل من بإدارته من الملتحقين المتلاشين في بلدانهم مثل هولاند والعثماني أردوغان والخائفين الخانعين مثل حكام السعودية وقطر. وهو ما يعني الانزلاق ربما باتجاه حرب، تعود لمعزوفة قديمة عبثية التأليف والهدف وبأوتار مقطعة، يكون فيها الكيان الإسرائيلي الذي يمثل بوصلة الجهد الأمريكي السياسي والعسكري في المنطقة من أكبر الخاسرين!؟

وعليه، فإن الاستنتاج المنطقي يشي بمسارين متطابقين يكشفان سوء النوايا التي تضمرهما السياسة الأمريكية سواء باتجاه:
أ- العمل ما أمكنها ذلك في الميادين السياسية والدبلوماسية والإعلامية التحريضية بغية استبعاد سوريا عن دورها وموقعها في أي تحالف دولي لمحاربة الإرهاب من خلال اغتصاب القرار 2170 بمصادرة قرارها الوطني في محاربتها للإرهاب وداعميه على امتداد أكثر من سنوات ثلاث. والمساومة عليه لكي يصب في خدمة عملائها من دول وأفراد. وكذلك في خانة الإرهابيين الذين أشرفت على تصنيعهم ودعمهم في داخل سوريا وخارجها. وهو ما أسقطته سوريا منذ مونترو وجنيف2!؟

ب- المراوغة والنفاق فيما يتعلق بمحاربة الإرهاب، ليس باعتبارها شريكة وحسب، بل أيضاً باعتباره أداتها المخفية أحياناً والعلنية في أحيان في الحرب التي تشنها بالوكالة لتحقيق مشروعها الشرق أوسطي الرامي لجعل الكيان الإسرائيلي قوة عظمى في منطقة الشرق الأوسط ومن حولها دول مقسمة وأقوام مفتتة متناحرة تقع ضمن خانة ما قبل وطنية وقومية!؟

وإذا كان هذان الاستنتاجان صحيحين. وهما كذلك استناداً للوقائع والمعطيات التي لم يعد بالإمكان تجاهلها أو القفز من فوقها. فإن التهديدات والمواقف السياسية التي يطلقها أوباما والمستوى السياسي المحيط به، سواء باتجاه سورية ومؤشرات نجاحاتها في حربها على الإرهاب، وما تعنيه وحدتها الوطنية الصلبة في هذا الاتجاه.

أو سواء باتجاه موسكو وأشكال قدرتها السياسية والاقتصادية والعسكرية في مواجهة الأطماع والنوايا الأميركية وبعض الأوروبية. أو سواء ما يتعلق بملف إيران النووي وسعي أميركا المحموم داخل 5+1 وخارج هذا الإطار لتجريد إيران من مصادر قوتها وهي كثيرة ومتنوعة. فإن ذلك يعكس بما لا يدع مجالاً للشك، بأن المعضلات التي يواجهها أوباما وسياساته ليست بسيطة، بل إنها أعقد من ذلك بكثير باعتبارها متشابكة ومترابطة، والحل فيها لم يعد احتكاراً أميركياً. والفصل فيما بينها أصبح خياراً لا يسلكه إلا الجاهلون بشؤون العالم ومطباته الخطيرة وهو ما تصفه التايمز اللندنية بقولها في تحليل لاجتماع قادة الناتو في ويلز "إن أوباما يواجه معضلة. فإذا عمد إلى التصعيد فإن وحدة الناتو مهددة. وإذا اعتمد الدبلوماسية فإنه تنازل مهين"!؟ وبحسب المحللين فإن الأوراق يمسكها الرئيس بوتين في أوكرانيا، والإيرانيون يمسكون الملف النووي السلمي وما يستتبعه. وفي سوريا تتم مواجهة الإرهاب بصمود أسطوري من قبل الجيش والشعب دون ترود أو تراجع.

ما من شك في أن سوريا بقيادة الرئيس بشار الأسد حين أعلنت بلسان وزير خارجيتها ترحيبها بالقرار الدولي 2170 وأعربت عن استعدادها التام للتعاون والتنسيق مع أي جهد دولي أو ثنائي لمحاربة الإرهاب على قاعدة من الجدية والنزاهة واحترام السيادة الوطنية، فلأنها تدرك أن حربها ضد الإرهاب لم تكن يوماً انتقائية أو موسمية بل إنها قرار وطني سيادي، يضع مقومات ثباته ونجاحاته شعب لم تضيع منه يوماً بوصلته الوطنية والقومية. فكان المدافع الأمين عن السيادة والاستقلال خلف الجيش العربي السوري الذي يسجل في كل زمان ومكان نصراً جديداً في مواجهة الإرهاب وأشكاله وأجنداته فيسقط بذلك رهانات ويغير حسابات وسيبقى كذلك في مواجهة أية احتمالات قادمة عدوانية. واثقاً بأن النصر من عند الله يصنعه جنود سوريا الأبطال في الميدان. وهذه حقائق أكدتها إرادة الوطنيين السوريين بالسياسة والميدان. حين خرجوا بالملايين إلى صناديق الانتخابات الرئاسية ومن المؤكد أنها لن تغيب عن ذهن ومهمة دي مستورا المبعوث الأممي الجديد إلى سوريا، مهما حاول البعض وربما لا يزال، المراهنة على أوهام سقطت وأخرى قيد التصنيع لن تحصد غير الخسارة والخذلان.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]