- عندما بلغ البيت البيض نبأ تقدم وحدات «داعش» داخل مدينة أربيل، وهروب المجموعات العسكرية والأمنية التابعة للبيشمركة والمقدرة بثلاثة آلاف عنصر والمكلفة حماية أربيل، وترك المدينة بمن وما فيها، حتى من دون إبلاغ الأميركيين المقيمين من رجال أمن ومشغّلين للمعدّات الإلكترونية الحساسة، ومدراء شركات كبرى، ومجموعات أمنية وعسكرية للمهمات الخاصة، وفقاً لمنظومة الإنذار المعمول بها والمعدّة خصيصاً لمثل هذه الحالات، فتحت في البيض الأبيض ثلاث ورش عمل، واحدة للتحرك الفوري وتولاها جنرالات البنتاغون، والثانية لتقييم وضع البيشمركة، والإجابة عن سؤال حول سرّ الانهيار السريع أمام «داعش»، وما يجب عمله لإعادة تشكيل جيش كردي مقاتل، ويتولاها ضباط من وكالة الاستخبارات الأميركية ووزارة الدفاع معاً، والورشة الثالثة مهمتها الإجابة عن سؤال ماذا نستطيع في وجه «داعش»، ويتولاها مجلس الأمن القومي ووزارة الخارجية.
- بسرعة تحوّلت الورشة الأولى إلى غرفة عمليات لإدارة حاملة الطائرات يو أس والطائرات الحربية العاملة على متنها، لشن غارات فورية على مواقع «داعش» المتقدمة، وتأمين سدّ ناري يحمي أربيل ويمنع دخولها، ويوفر التغطية اللاحقة لوحدات الجيش العراقي والبيشمركة لدفع وحدات «داعش» إلى خلف سدّ الموصل، مع ترتيب منظومة اتصالات وتدقيق ومتابعة مشتركة مع كلّ من الجيش العراقي والبيشمركة، لكن بقي القرار المعطى لهذه الورشة: لا تضربوا عمق تمركز وحدات «داعش» فهذا قرار يتخطى حدود المهمة.
- الورشة الثانية بدأت بفحص الأسباب التي حوّلت البيشمركة إلى جيش مترهّل، ووضعت أمامها عناصر التسليح والتدريب، والجاهزية وأساليب العمل ومعدّلات سنّ الجنود والضباط، والروح المعنوية، ومستوى الانغماس في مظاهر الترف، وكيفية بناء وحدات شابة جديدة مؤهّلة للقتال، بالتوازي مع رفع مستوى جاهزية القوات العاملة إلى أعلى حدّ ممكن، وأرسلت لهذا الغرض دفعات من السلاح والذخيرة الأميركية والأوروبية قدرت بآلاف الأطنان، وفريق استشاري ميداني تدريبي وعملياتي قوامه مئة وثمانون ضابطاً محترفاً ومعاونوهم.
- الورشة الثالثة المطالبة بوضع ما أسماه الرئيس باراك أوباما بخطة عمل طويلة المدى في وجه «داعش»، كان عليها مناقشة الخطة ضمن أربعة ضوابط معقدة في البحث عن الجواب، الأول هو كيف لا يقع أي مخطط للردّ على «داعش» في مخاطرة تعريض الأمن الداخلي للولايات المتحدة الأميركية للأذى، بعدما استنهض تحرك «داعش» على مستوى الغرب كله المجموعات الإسلامية المتطرفة المحبطة من تراجع وهج «القاعدة»، الثاني كيف لا يؤدّي التدخل الأميركي مجدداً إلى التورّط العسكري في حرب عراق ثانية، بعدما أدّت الحرب الأولى إلى فشل نتجت منه أضرار لا تزال آثارها تفعل فعلها، والثالث هو كيف لا نجعل التعاون الضروري مع إيران في العراق لضمان النجاح، سبباً لجعل العراق مسرحاً عسكرياً وأمنياً إيرانياً، والرابع هو كيف لا نجد أنفسنا أمام معادلة عنوانها، التعاون الإلزامي مع سورية ورئيسها ممرّ لا مفرّ منه للتقدم بخطة المواجهة.
- الأجوبة التي صاغتها الورشة الثالثة تناولت محاور، أولها عدم التورّط باستهداف عمق انتشار وحدات «داعش»، وإيصال رسالة غير مباشرة مضمونها أنّ أيّ استهداف داخل أميركا سيعني فتح أبواب جهنم على مواقع «داعش»، وأنّ احترام هذا الخط الأحمر سيجعل حدود القصف الأميركي حماية كردستان، ومنع تمدّد «داعش»، أما المحور الثاني فهو الرفض القاطع لكلّ تدخل عسكري برّي يتعدّى حدود الخبرات والتدريب وتشغيل غرف العمليات والوسائل التقنية العالية الدقة في كلّ من أربيل وبغداد، والمحور الثالث هو الاستثمار السياسي والعملي على الحكومة العراقية الجديدة، لتكون حكومة لا تعبّر عن النفوذ الإيراني وحده، والتحرك على خط أنقرة الرياض للمجيء بقادة من الطائفة السنية قادرين على تجنيد العراقيين من عشائرهم في الحرب على «داعش»، كي لا ينفرد حلفاء إيران بساحة الحرب وبالتالي بنتائجها السياسية، وكذلك تشجيع القوى الكردية على المشاركة الفعّالة في الحكومة والمؤسّسات الحكومية العسكرية والأمنية والديبلوماسية المركزية، لتكون حكومة متوازنة قادرة على حلّ المشاكل الثنائية العالقة بين المكوّنات العراقية من جهة، وإطاراً لمواصلة الحرب على «داعش» من جهة مقابلة، والأهمّ لتكون عنوان التواصل الذي يبدو أن لا بديل عنه مع كلّ من المؤسسات الأمنية والعسكرية في سورية وإيران، فتعفي الإدارة الأميركية من عبء هذا التنسيق المحرج.
- بعض المشاركين في ورش النقاش المتعدّدة يقولون إنه على رغم كلّ هذا الكلام، فلا مناصّ من التحدّث مع الرئيس السوري بشار الأسد، وانّ الرئيس أوباما بدأ يصغي وربما يكون همس لمن يلزم لجسّ النبض لتعاون أمني، يمهّد للتحدّث السياسي الذي يصرّ الرئيس الأسد على اعتباره مدخل كلّ تعاون يتعدّى حدود الضرورة.
- عندما قال الرئيس الأميركي خطة طويلة الأمد لقتال «داعش»، وضع الكثيرون أيديهم على قلوبهم لخطورة أن يكون معنى الكلام، التسليم ببقاء «داعش» لسنوات، والبعض قال المقصود خطة طويلة الأمد للتحدّث مع الأسد تعادل خطة طويلة الأمد للحرب مع «داعش»، فعمر «داعش» الافتراضي هو عمر العلاقة المقطوعة بين واشنطن ودمشق، وتحديداً بين البيت البيض وقصر المهاجرين.
- وصلت إلى رئيس الحكومة العراقية ورقة صغيرة مكتوبة بالإنكليزية، بإمكانكم تحت مظلة قرار مجلس الأمن بمحاربة «داعش» ومحاصرتها، الدعوة للقاء إقليمي دولي في بغداد على مستوى مندوبين، برعاية الأمم المتحدة تشارك فيه الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن وجيران العراق؟
[email protected]
أضف تعليق