سألني صديقي كثير الغلبة: في مقالتك الاسبوع الماضي اشرت الى مقالة لجلالة الملكة رانية، ملكة الاردن، تتحدث فيها عن معاناة الاهل في غزة وكان عنوان المقالة "غزة صناعة ديستوبيا عصرنا الحالي " ، فما هي الدستوبيا وما علاقة غزة بها؟.

حقيقة لقد شكرت صديقي كثير الغلبة على سؤاله واعتذرت انني لم اذيل المقالة السابقة بملاحظة توضح معنى الدستوبيا وشكرته مرة ثانية لانه وفر لي مادة لكتابة مقالة جديدة امل ان تكون مفيدة.

الدستوبيا كما جاء في مقالة الملكة رانيا: هي المكان الخيالي الذي يعيش فيه الناس بتعاسة وخوف؛ حيث لا يعاملون بعدل؛ مستقبل غير سار يُعامل الناس فيه بتجرد من الإنسانية، عالم يشبه الكابوس يتسم بالبؤس والخراب والظلم والأمراض والاكتظاظ.

والدستوبيا في الغة، كلمة من منشأ يوناني تتألف من مقطعين ( دس) وتعني سيء و(توبوس) وتعني مكان وهي عكس كلمة يوتوبيا والتي هي ايضا" تعبير افتراضي خيالي تعني المدينة الفاضلة واستعمل هذا التعبير الكاتب توماس مور عام 1516 كعنوان لكتابه، وإُستعمل التعبير بعد ذلك في الاعمال الادبية الطوباويه ذات الطابع السياسي والتي تحلم بعالم مثالي حالم ، مجتمع يزخر باسباب الراحة والسعادة لكل ابناءه بلا استثناء، تذكرنا بجمهورية افلاطون ورؤيته في الحكم والسياسة وما كتب عنه ايضا" الفارابي.

ونعود الى مصطلح الدستوبيا وعلاقته بغزة، فغزة ليست عالم خيالي او افتراضي انها حقيقة وبقعة جميلة من الارض الفلسطينية يعيش عليها ما يزيد على مليون ونصف انسان، فُصِلت عن الوطن الام فلسطين والحقت بالادارة المصرية بعد نكبة عام 48 وُحرمت من ابسط مقومات التنمية والتطور، حتى القوانين التي كانت تحكمها بقيت عثمانية، وجاءت نكسة عام 67 لتقع غزة فريسة للاحتلال الاسرائيلي والذي مارس عليها ابشع اشكال الاستعمار الكولونيالي فحولها الى جيتو كبير يحوي داخلة عدة جيتوات صغيرة وبقي الامر حتى قامت السلطة، لتتمتع غزة بعناية خاصة من الرئيس الرمز ياسر عرفات، لكن غزة ما كادت تلتقط انفاسها وتنطلق نحو المستقبل حتى جاء الانقلاب لتتحول غزة الى دستوبيا حقيقية حيث يعيش فيها الناس بتعاسة وخوف، لا يعاملون بعدل، بدون افق لمستقبل سار، وفرض عليها حصار اسرائيلي جائر ومقاطعة دولية تخلو من ابسط تعبيرات الإنسانية بل زاد على ذلك ما شنته دولة الاحتلال من اعتداءات مدمرة حولت غزة الى مكان يشبه الكابوس يتسم بالبؤس والخراب والظلم.

غزة لا تستحق هذا المصير المظلم، غزة العراقة والتاريخ والنضال تستحق ان تكون يوتوبيا، مكان يعيش فيه الناس بسعادة وحرية ورفاه وهو ما يستحقه كامل الشعب الفلسطيني، ولن يتحقق ذلك الا من خلال انهاء الاحتلال واقامة الدولة الديمقراطية المدنية، التي يشارك شعبها في صناعة مستقبله وفي المساهمة في رسم مستقبل افضل للانسانية جمعاء.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]