’يعاتبني القراء لماذا لا أكتب عن عدالة القضية الفلسطينية وحقوق الفلسطينيين المهدورة..
مقالتي اليوم ستكون مزيجا من الإعتراف الشخصي.. وشيئا من التحليل السياسي.. لماذا وقفت الدول العربية صامته تجاه القصف الإسرائيلي المتوحش على الفلسطينيين في غزة...
كتبت سابقا الكثير من المقالات عن الحقوق الفلسطينية.. لم أكتب مغمضة العينين عن فساد وفشل القيادة الفلسطينية المرة تلو المره في الحصول على تعاطف دولي.. وأيضا في المفاوضات مع إسرائيل.
بدأت قصتي مع حماس منذ دخول حماس العملية الإنتخابية.. حين كتبت آنذاك مقاله تحت عنوان ""الإنسان الفلسطيني وإختيار أهون الشرين""..مؤمنة بأن رؤية حماس المستندة إلى الأيدلوجية الدينية للصراع لن تحل القضية.. وحث الفلسطيني على إنتخاب أهون الشرين.. أعقبتها بمقالة بعد نجاح حماس في تلك الإنتخابات.. بأن واجبها تجاه المواطن الفلسطيني ’يحتّم عليها السير بما هو في صالحه.. وهو الحل السلمي المستند إلى الشرعية الدولية.. والذي ما زلت أؤمن به.. بعدها أمضيت ما يقارب السبع سنوات في متاهات البرلمان البريطاني أحاول مع منظمات يهودية تؤمن بالحل السلمي للصراع ومبدأ الدولتين بناء على قرار 242.. حث النواب على التحدث لحماس كممثله شرعية للفلسطينين.. برغم عدم إقتناعي بخطواتها لأسلمة المجتمع الفلسطيني.
ولكن وبعد قصف غزة في ديسمبر 2009 إقتنعت بأننا بحاجة إلى معجزة لحل هذا الصراع.. ولن أستطيع الإستمرار في دعم حماس بينما أرى أنها تضع كل العراقيل في طريق أية تسوية.. يواجهه التعنت الإسرائيلي والصلابة في أخذ مواقف لا تتماشى إطلاقا مع النوايا السلمية التي إقتنع بها معظم الفلسطينيون.. ولكني كإنسانة أولآ ومن جذور فلسطينية لم أتوقف عن متابعة المشهد الفلسطيني.
أعود اليوم لأكتب عن الإنسان الفلسطيني ومأساته المستمرة..
أولآ أود التأكيد بأن ما يعنيني ليست حماس ولا فتح.. ما يعنيني اليوم مأساة الشعب الفلسطيني الذي وقع بين مطرقة حماس وفساد وضعف السلطة ومقولة يا جبل ما هزك ريح!!! وهو ما تركه لايزال يتأرجح بين ماهو الأجدى لصالحه.. هل هو الإستمرار في عملية سلمية تحاول إسرائيل خلالها بكل الطرق تقليص الأرض.. أم المقاومة التي تقتنصها إسرائيل لتبرير القصف البربري.. بينما تحمل نية عدوانية تحلم بعملية تطهير عرقي يضمن عدم إقلاق راحة المستوطنين.
وما يعنيني أيضا كيف ولماذا هان الإنسان الفلسطيني على كل الأشقاء العرب حوله..؟؟؟ وعلى رأس قائمتهم مصر الحبيبة؟؟
لنعترف أولآ بأن ثورات الربيع العربي لم تحصد سوى مشاكل على مختلف الأصعدة يواجهها الإنسان العربي بحيرة من أمره.. لنعترف بأن الحرب الدائرة في سوريا وفي العراق وغياب أي أفق سياسي للإنتصار في هذه الحرب.. أصبح الشغل الشاغل للأنظمة الحاكمة خوفا من إمتدادها.. وخوفا من تبعاتها.. لنعترف بالهم السعودي وخوفه مما هو جاثم على حدوده.. وبالرغم من ذلك تصرفت المملكة فورا.. وبسخاء كما هي عادة الدول الخليجية بصرف ما يفوق الخمسين مليون دولار لغزة؟؟؟؟
وماذا عن مصر.. التي ’يشكك بعض الكتاب المرموقين في إخلاصها للقضية الفلسطينية.. وبأن مبادرتها تمت بالتنسيق مع نتنياهو والولايات المتحدة وعباس بدون التشاور مع حماس؟؟؟ وبأنها لم تأتي إلا لتقديم طوق النجاة لإسرائيل؟؟؟؟
لنعترف بأن مصر القلب النابض للأمة العربية لا زالت تحاول النهوض من الكبوة التي خلّفها حكم الإخوان..والأهم أنها تحاول التخلص من الثقافة العنفية المرتبطة بفكر حماس والإخوان... لنعترف بأن مصر لا زالت تشك في حماس وفي نواياها وبالتحديد مساعدة الإخوان لحماس للإستيطان في سيناء.. وفي إرتباطها مع إيران وحزب الله.
لنعترف بان مصر حاولت بداية الأمر النأي بنفسها عن التدخل في الحرب الأخيرة بين حماس وإسرائيل. وصمتت القيادة المصرية كليا برغم تولي بعض قنوات الإعلام لعملية تروّج لكراهية الفلسطينيين.. ولكن إستمرار تدفق الضحايا.. وقسوة العنف الإسرائيلي أعادت لمصر الإحساس بالمسؤولية الأخلاقية تجاه الإنسان الفلسطيني.. وأجبرت القيادة المصرية إنسانيا وأخلاقيا على التدخل الفوري لحماية الفلسطيني من قذائف وصواريخ إسرائيلية حصدت الأرواح حصدا.. بينما عجزت قذائف وصواريخ حماس من إصابة أو قتل إسرائيلي واحد...؟؟؟ وبالتنسيق مع الرئيس الفلسطيني المعترف به إقليميا ودوليا.. برغم ضعفه!
هناك من يدّعي بأن هذه الصواريخ عملت على توازن الرعب بين الإسرائيليين والفلسطينيين..للأسف أعتقد بأن من ’يروّج لهذا غير مبصر... فبينما يتحمل الفلسطيني القذف مباشرة على رأسه ورأس أطفاله. يهرع الإسرائيلييون إلى الملاجىء المكيفه.. والمجهزه بكل وسائل الراحه والطعام..
مصر نسّقت المبادرة مع الرئيس الفلسطيني لأنها لا تريد التعامل مع قادة حماس..
إضافة إلى مشاكلها الداخليه يرجع إلى شكوكها وشكوك الدول العربية بنوايا وأهداف حماس...
شكها بأن هذا الإستفزاز بإيعاز من إيران. أو حزب الله.. لهدف كلنا يعلمه وهو تغيير إتجاه بوصلة الإهتمام الدولي بالوضع السوري...
شكها بأن حماس لا تؤيد خطوات الرئيس محمود عباس في العملية السلمية. وبأن المصالحه لم تكن إلا ليأس حماس في وضعها الإقتصادي المتعثر وعدم إستطاعتها مطالبة أي من الدول العربية تمويلها..
شكها بأنه من المحتمل أن تكون تهربآ من إستحاقات عملية الإنتخابات النيابية المفروض القيام بها بعد المصالحه لعلمها بتلاشي رصيدها الشعبي؟؟؟
رفض حماس والفصائل الفلسطينيه المبادرة المصرية لإعتقادهم بأن الرئيس محمود عباس ومجموعته هو من وضع خطوطها وشروطها من منطلق الخنوع, والإصرار على الإستمرار في إطلاق هذه الصواريخ العبثية.. سيؤكد هذه الشكوك.. خاصة ومع تحريض بعض الكتاب بتسميتها إنتفاضة الصواريخ.. وعلى التشكيك بالنوايا المصرية وحثها على الإستمرار في المقاومة!!! مع معرفتنا التامه بعواقب هذا الرفض.. ما هو إلا عملية قتل بسبق الإصرار للإنسان الفلسطيني ولأي علاقة له مع الشعب المصري والشعوب العربية الأخرى..
سيدي وعزيزي القارىء العربي..
هناك واقع عربي.. ودولي جديد.. غيّرت الأحداث الجارية في المنطقة العربية أولوياته.. وفقدت القضية الفلسطينية أولويتها. بل وإعتبرها العديد جزءا من الثقافة العنفية التي ترتع فيها المجتمعات العربية حاليا.. لم يعد هم المنطقة العربية الإنسان الفلسطيني.. أصبح هم المنطقة العربية التخلص من ثقافة التطرف التي تحملها حماس... أصبح هم الحكام العرب.. كيفية خلق توازن في ثقافة إنسانية جديده تستطيع إستيعاب معنى ومفهوم السلام.. والتخلص من ثقافة الكره والتحريض.. ثقافة تتماشى مع الإجماع الدولي بحتمية بقاء الدولة الإسرائيلية..
لم تعد تنفع ولا تشفع الشعارات الرنانه..كما في خطاب القدومي من قصره المكيف قبل يومين.. لم يعد ينفع الإستجداء للجيوش المصرية والعربية من فنادق الدرجه الأولى كما في خطاب مشعل... لم تعد تجدي مزايدات الوطنية.. من خلال الأقلام.. لأنها لن تنقذ طفلا فلسطينيا.. الطريق الوحيد هو محاربة إسرائيل فكريا وثقافيا بتبني ثقافة سلام... ’تحرج إسرائيل دوليا.. بناء مجتمعات عربية ديمقراطية حقه تفصل الدين عن الدولة في كل الدول العربية حتى لا تتخذ إسرائيل ذريعة الخوف مما حولها.. ديمقراطيات تعمل على حماية كرامة الإنسان العربي والفلسطيني من الفقر والجهل والمرض والجوع.. في هذا العالم وهذا الزمان إنتقلت القدسية من الأرض إلى الإنسان والطفل فقط!!!!
منظمة بصيره للحقوق الإنسانية
[email protected]
أضف تعليق