مهما ردد البعض مقولة «الغاية تبرر الوسيلة» فهي مقولة سيئة عندما لا تكون الوسيلة نبيلة ومشروعة ومنطقية، ومن الجنون أن يتفق أي طرف مع دولة الخلافة الإرهابية، فكيف إذا كان الطرف من مدعي الوطنية والقومية والعروبة؟ ومهما قيل عن التهميش والمعاناة جراء الأسس الخاطئة التي بنيت عليها العملية السياسية، فلا يمكن تبرير التحالف مع الإرهاب وتغطية جرائمه تحت واجهات وشعارات واهية بعيدة عن المنطق والعقلانية. وحتى من يتقبل فكرة الانتحار السياسي لا يمكن تقبل انزلاقه إلى جانب الإرهاب بهذه الطريقة المفضوحة من دون قيود، رغم إحجام القيادات المعروفة عن الظهور العلني.
إعلان دولة «الخلافة الإسلامية» قطع الشك باليقين، حول جدلية التحالف بين مجموعات كانت تعمل ضمن المقاومة العراقية، وأعتى قوى الإرهاب، فالإعلان أكد بشكل قاطع عدم وجود فرصة لطرح أي فلسفة أو مشروع سياسي يخالف الفكر الظلامي، وإما أن ينصهر المتحالفون معه أو أن يصبح الصدام حتميا، وفي النتيجة يكون الحكم على غوغائية قرار التحالف أو التعاون والتنسيق في غير حاجة لأدلة ومسوغات قانونية وفلسفية، فالأحداث على الأرض تثبت حجم الكارثة، لكن القيادات التي لا تزال تمجد زعامة صدام حسين الذي تسبب في كل ما يحدث، «جديرة» بتبني السياسات الكارثية.
لقد قدمت قوى الارتباطات المدفوعة الثمن غطاء للهجمة الإرهابية، التي لم تستهدف نظام الحكم في العراق الذي سيخرج منها سالما، بل استهدفت العراق ونسيجه المجتمعي وتاريخه ووحدته، وظهرت نماذج «كرتونية» لا وجود حقيقيا لها على الأرض تدعي ترؤس مفاصل وكتل من المسلحين، غير أن الفاصلة بين الادعاء والوقائع على الأرض أثبتت زيف ادعاءاتهم. ومهما كانت النظرة تجاه نظام الحكم، فلا يجوز الانزلاق إلى حد المشاركة في محاولات تدمير العراق وتحويله إلى محرقة لا يمكن حصرها ضمن خارطة العراق المعروفة، خصوصا في ظل انتشار الفكر الظلامي على رقعة غير صغيرة من الشرق الأوسط.
من غير الممكن الوصول إلى استنتاجات محددة عن قدرة الدولة العراقية على حسم الموقف العسكري خلال فترة وجيزة، كما أن زخم هجمات ما يسمى «دولة الخلافة» قد تضاءل بشكل كبير، لأنها لم تعد قادرة على تأمين الموارد البشرية أمام الضغط الذي بدأت توجهه القوات العراقية، وهذا يعني أن الحرب ستكون مفتوحة على مدى العام الحالي إلى أن تبدأ معدلاتها في الانحسار، في ضوء تصاعد الإمكانات العسكرية العراقية، علما بأن معادلات الصراع تختلف بين العراق وسوريا لمصلحة العراق لأسباب بشرية ومالية وجغرافية، رغم أن الاصطفاف السياسي والعقائدي أكثر وضوحا في سوريا.
إن النقص الكبير في القوات العراقية كان في المجال الجوي، فقد جرى التعويل على السلاح الأميركي، وهو مقيد بأنظمة وتقاليد بيروقراطية للموافقة على تجهيزه، كما أن كتلا سياسية عارضت التسلح وعملت على عرقلته، فضلا عما قيل ونشر عن عمليات فساد. ويبدو أن الحكومة العراقية تعمل على تدارك هذا النقص الخطير بإبرام صفقات مع كل من هو قادر على تأمين توريدات سريعة من السلاح. ويمكن للعراق أن يستفيد من مئات الطيارين من أصل نحو 1700 طيار كانوا موجودين عشية حرب الخليج، خصوصا الطيارين ممن هم دون الخمسين من العمر. ومع وصول طائرات «سوخوي»، وهي طائرات هجوم أرضي، يمكن أن يتحقق تفوق كبير في القدرة النارية لصالح القوات العراقية، ويتطلب الوضع رفع القيود عن المزيد من كبار الضباط السابقين وهيئات الركن العليا، بصرف النظر عن الرؤى السياسية.
وعلى الموقف السياسي، من المرجح أن يعود السياسيون إلى حالة من التخبط بعد أن أوشكوا على الاتفاق، وهذا يجعل الباب مفتوحا لتمديد عمل الحكومة الحالية تحت أي اسم. والحقيقة العلمية والعملية التي لا يجوز القفز عليها، هي أن البلدان عندما تكون في حالة حرب مصيرية يصبح هامش تداول السلطة في أسبقية متأخرة قياسا بمتطلبات الأمن والسلامة الوطنية، وأي انتقال للسلطة يفترض ألا يؤدي أو يضيف خللا إلى الوضع الميداني ومستويات القيادة العليا. ومن الضروري التوثق من قدرة أي تحول سياسي على إدارة صراع على المستوى الخطير الجاري في العراق، وهنا تظهر أهمية المؤهلات والقدرة على اتخاذ القرارات الحاسمة في الوقت المناسب، وإلا ستحدث كوارث مضافة.
[email protected]
أضف تعليق