في 21 حزيران الجاري سيعقد في مدينة شفاعمرو مؤتمر اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل (48) وسيقر فيه دستور الاتحاد وتناقش قضايا أدبية وتنتخب هيئة ادارية ورئيس للاتحاد، فهل هذا سيكون مجرد حدث عابر؟

سأجيز لنفسي الادعاء بتواضع أن هذا المؤتمر سيكون من أبرز أحداث العام 2014 ونحن على مسافة ثلاثة شهور عن آذار الثقافة الذي شكل احد أهم المحطات التاريخية في مسيرة ثقافتنا الفلسطينية في الداخل وهي مسيرة شهدت منعطفات وهبات ثقافية أحدثت أصداء في الحيز الثقافي والوطني الفلسطيني العام وفي الفضاء العربي من محيطه إلى خليجه.

لقد تأسس الاتحاد قبل ثلاث سنوات وبتأسيسه وضع حد لتعدد الاتحادات والروابط الأدبائية في الداخل ولصراعات لا مبرر لها بين الأدباء انفسهم تسببت هي الاخرى بنشر حالة من الاحباط وعدم الثقافة وقلة الاحترام المتبادل والقيل والقال والتحريض والمس والتجريح وهذا أدى إلى المس بمكانة الكاتب وتهميش دوره في المجتمع. وقد كلفت إدارة الاتحاد الجديد بالتوجه إلى جميع الكتاب الفلسطينيين للانضمام وبتنظيم فعاليات تعيد الثقة بهم وتعزز موقعهم في المجتمع الفلسطيني، ويبدو أن ما تحقق لم يكن كافيا لأسباب لا حاجة لذكرها هنا ولكن النشاط الذي تم في الشهور الاخيرة لعقد المؤتمر أخذ يستقطب الكتاب ونرجو أن تكون المشاركة في المؤتمر واسعة جدا ولا يبقى أي كاتب فلسطيني من الجليل وحتى النقب خارج هذا الاطار الوحدوي .

لماذا اتحاد كتاب؟

نحن جزء لا يتجزأ من الشعب الفلسطيني . التجزئة الجيوسياسية والحدود والجدارات فشلت في إحداث تجزئة وطنية وثقافية. هناك تأكيد على وحدة هذه الثقافة ومع ذلك هناك خصوصيات الموقع وتمايزاته الناجمة عن تقطيع أوصال وتواصل الفلسطينيين ولا بد في السياق الأدبي أن يقام اتحاد كتاب في كل جزء وتتوحد في اتحاد عام. لقد تحقق ذلك حين نشط الاتحاد العام للكتاب الفلسطينيين في سنوات السبعين والثمانين وكانت ضربة الانقسام في منتصف الثمانينات قاصمة وقاضية ولم تقم له قائمة حتى اليوم. نحن لم نكن ممثلين في هذا الاتحاد العام مثلما كان متفقا أن منظمة التحرير الفلسطينية لا تمثلنا في الداخل وإن كانت هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني. اما اليوم ومع السعي لاعادة تشكيل اتحاد عام وقد "جرت مياه كثيرة في نهر الأردن" فان غيابنا عن اتحاد عام للكتاب الفلسطينيين هو مس بوحدة الثقافة الفلسطينية وسيشكل الاتحاد الرافعة لتعميق الصلة بالمبدعين الفلسطينيين في الوطن والشتات وكذلك باجزاء شعبنا في كل مكان. وإذا كنا نتحدث عن فضاءات ثقافية للداخل وأهمها الفضاء الفلسطيني فان اتحاد الكتاب الاطار الاهم لنقل أدب الداخل إلى فضائه الفلسطيني العام.

بطبيعة الحال، اتحاد الكتاب ليس اطارا سياسيا وليس حزبيا وليس ايديولوجيا، ليس أحاديا ولا فئويا، بل يجب أن يعكس تعدد وتنوع الانتماءات والافكار السياسية والعقائدية والحزبية، ولكنه في الواقع الفلسطيني الراهن لا يمكن إلا ان ينطلق من الواقع السياسي، من الحالة المربكة التي يعيشها الفلسطيني في الداخل ومن حالة الفلسطيني الآخر الذي لا يعيش في وطنه. اتحاد الكتاب في الظرف الحالي ليس تنظيما نقابيا لرعاية شؤون الكتاب المعيشية فقط، بل هو تنظيم الكتاب الملتزم بقضية شعبهم .

اتحاد الكتاب الفلسطينيين في الداخل هو تنظيم نضالي في واقع الاحتلال والتمييز العنصري والعداء الايديولوجي وسلاحه أقلام اعضائه وهو أيضا العين الساهرة على سلامة المجتمع الفلسطيني ليس في ما يتهدده من الخارج بل ما يتهدده من الداخل أيضا، العنف والاحتراب القبلي والطائفي والعائلي والتعصب الديني والاجتماعي، وهو الذي سيرسخ مكانة الجملة الأدبية في الوجدان العام. هو الذي سيعيد للقصيدة العربية وقعها على آذان الجماهير وللرواية الفلسطينية حضورها المؤثر وعليه أن يستحضر التراث وما اختزنته الذاكرة من أغنيات وحكايات وخرافات واساطير.

الاتحاد لم يقم لحماية الكُتّاب فقط بل الكِتاب أيضا، الكتاب الذي يشكل حصيلة الجهد المضني الذي يبذله الكاتب هنا دون أن يفكر او يحلم بمردود مادي ولا مكافأة تعوض شيئا قليلا من الوقت الذي بذله لانتاجه. مجتمعنا يعترف بكل جهد آخر إلا جهد الكاتب. في أحسن الأحوال الناشر الذي يربح من هذا الجهد وقد يربح مرتين في الاولى ما يأخذه من الكاتب نفسه لقاء النشر (مش عيب؟) وفي الثانية من المبيعات. هذه العلاقة بين الكاتب والناشر يجب أن تكون الأولى على مبحث اتحاد الكتاب .

لقد وضعت مسودة دستور ديمقراطي وعملي. كل شيء وارد وشفاف في الدستور حفاظا على سلامة الاتحاد. وستجري انتخابات للرئاسة والهيئة الادارية. حتى الآن رشح أربعة كتاب لرئاسة الاتحاد وباب الترشيح مفتوح للرئاسة والعضوية وكل ما هو مطلوب أن تجري عملية انتخاب ديمقراطية تماما وأن يكون التنافس بين المرشحين لائقا بهم وباتحادهم وبعد إعلان النتائج أن تطوى صفحة التنافس على القيادة لتفتح صفحة العمل سويا من أجل تحقيق أهداف الاتحاد.

اتحاد جاد للكتاب في الداخل سيكون الرافعة التي ستسمو بالأدباء والأدب في الداخل إلى الأعالي.

نعم، نحن بحاجة إلى هذا التحليق لنتحرر من ذهنية ضيقة سيطرت علينا في السنوات الاخيرة وأدت إلى اشتباكات في ما بيننا وحصرت رؤيتنا في ما هو داخل الجدار حتى صرنا داخل الجدران التي بنيناها نحن لأنفسنا.

نلتقي جميعا في شفاعمرو، يوم السبت 21 حزيران 2014.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]