بانتظار تطورات جديدة ومعلومات دامغة، ونجن في الساعات الأولى من الحدث، حول ما وقع في نينوى العراقية، يحق لنا أن نثير عددا من التساؤلات والملاحظات المشروعة: أهي فضيحة كبرى أن تهرب القوات الحكومية من مدينة نينوى الكبيرة وأن تسلم أسلحتها؟ أجل؛ ولكنها أكبر من فضيحة. فكيف اتفقت هذه القوات على الانسحاب لتتسلم قوات الإرهاب الداعشي المدينة؟ هل جاءها أمر من أعلى كما انسحبت في الأنبار لتدخل قوات داعش المدن هناك؟ أم هو الخوف والشعور بالعجز؟ أم ثمة تواطؤ ما؟ وكيف نفهم أن جيش المليون يتراجع هكذا أمام قوات إرهابية من بضعة آلاف؟ وكيف نفهم دعوة المالكي لتسليح المواطنين؟ فهل هم أقدر من جيش المليون، وأكثر كفاءة؟؟ ولو كان تسليح الموطنين هو الحل، فلماذا رفض تدخل قوات البشمرمة لمقاتلة الإرهابيين، علما بأن قوات البشمركة مدربة جيدا ومجهزة ومجربة، وعلما بأنه في حالات استثنائية وخطرة كهذه يجب وضع الخلافات جانبا والتكاتف لدحر الإرهاب؟

نعتقد أن دعوة التسليح العام تنطوي على مخاطر كبرى من حيث احتمال مساهمته في إشعال حرب أهلية عراقية – عراقية ذات طابع طائفي، وهذا عدا عدم قدرته على الحلول محل قوات نظامية مجهزة بكل أنواع السلاح وكبيرة العدد. فهل تخفى مخاطر محتملة كهذه؟ أيا كانت الأجوبة، فإن داعش تقدم على طبق من الدماء والجريمة هدية للمالكي لتبرير إعلان حالة الطوارئ التي يطالب بها منذ انتهاء الانتخابات، والضجيج والزحام حول الولاية الثالثة. وداعش: التنظيم " السني" المتطرف ساهم ويساهم مباشرة في تدمير المدن ذات الأكثرية السنية وتهجير أهلها.

وقد تنقل هجماتها لإقليم كردستان. كما يكتب الأستاذ سربست بامرني ليست هناك أدلة مثبتة على الأخبار التي تربط داعش بالحكومة العراقية. وليس صحيحا أن نعتمد على أخبار وتقارير غير مثبتة،. لكننا نعرف أن داعش في سوريا يقدم خدمات كبيرة لنظام الأسد، وأنه لا يقاتل القوات الأسدية بل قوات المعارضة، وأنه يقترف جرائم بشعة لتشويه أهداف التحرك الشعبي السوري، الذي بدأ سلميا، وبدون داعش أو النصرة. وتعرف أن الأسد أطلق في المرحلة التالية من الثورة السورية سراح العشرات من قيادات إرهابية معروفة.. كما نعرف من وزارة الخزانة الأميركية نفسها أن أسلحة وأموالا ومقاتلين يعبرون من إيران لسورية للانضمام لداعش، ولذا عاقبت الوزارة ماليا رموزا من القاعدة موجودة في إيران.

إن هذه الحقائق تبرر القول بأن لإيران، لاسيما فيلق قدسها، علاقة ما مع داعش.. وليس من الصدف أن أية عملية إرهاب قاعدية لم تنفذ في إيران، بل إن الناطق باسم داعش في سوريا اعترف في رسالته للظواهري بأن هناك قرارات قديمة من التنظيمات القاعدية بعدم التعرض لإيران ومصالحها في المنطقة. نضيف التواطؤ الإيراني والأسدي مع قاعدة الظواهري وبن لادن في العراق على مدى سنوات بعد سقوط النظام البعثي، وكذلك إعلان الجنرال الأميركي كيسي مرتين، من باريس قبل عام وفي الولايات المتحدة هذه السنة، بأن إيران كانت وراء تفجيرات سامراء عام 2006 التي أشعلت حربا طائفية دامية.

هذه هي حيثيات ومقدمات ومعلومات تبرر تماما الحكم بوجود أصابع إيران وراء عمليات داعش، إن في العراق أو في سوريا، ولا بأس خلال ذلك بالسماح بتفحيرات في مناطق ذات أكثرية شيعية لإخفاء واقع التواطؤ. ومنذ متى تهم نظام الفقيه دماء الشيعة العراقيين؟! ألم يضطهد بقسوة مئات الآلاف من المهجرين الشيعة إلى إيران زمن صدام؟ فهل المالكي يجهل، مع أن كيسي يقول إنه كان قد أعلمه بهذه الممارسات الإيرانية وقدم له أدلة مادية؟ ونضيف أيضا تصريحات العبيدي، وزير الدفاع العراقي الأسبق عند التفجيرات الكبرى في الأربعاء الدامي عام 2009 في بغداد، عن أن الأسلحة التي استخدمت كانت إيرانية الصنع- علما بان الحكومة العراقية وجهت علنا أصابع الاتهام للنظام السوري وهددته بمقاضاته أمام مجلس الأمن. إن سقوط نينوى كارثة حقا، وإذا كانت القوات العراقية المسلحة عاجزة حقا عن استرداد المدينة ودحر داعش في كل أرجاء العراق، فهذا يعني إعلان الفشل المدوي للحكومة، ولابد من تشكيل حكومة طوارئ غير حزبية وغير تحاصصية لدحر الإرهاب وحل كل المليشيات، والانكباب على المهام الآنية التي تواجه البلاد، وأولها ضمان الأمن، وكذلك الخدمات ومكافحة الفساد ووقف التدخل والهيمنة الإيرانيين. نعرف أن قيام حكومة كهذه غير ممكن ولكن لا حل غيره.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]