كل حركات الانشقاق التي نأت بنفسها عن جماعة الإخوان المسلمين كان مصيرها الانزواء والفشل وذهاب الريح، وحتى حزب التحرير، الذي كان احد أشهر وأكبر الانشقاقات، لم يحظ بما حظيت به الجماعة الأم من تأثير وأهمية على الساحة، بل إن الحركات الصغيرة، سواء كانت جهادية مقاتلة أم دعوية اصلاحية، لم تستطع أن تنافس حضور الإخوان وتأثيرهم على المستوى الدولي، وثبت أن من «يناطح» هذه الجماعة كالثور الذي يناطح حائط إسمنت، فقد تمرست على ما يبدو في مواجهة حملات الاقتلاع والتهميش والقمع، وبنت «أدبيات» متوارثة منذ أجيال في مواجهة «الابتلاءات» والمحن، تستدعيها حينما يقتضي الأمر، وقد ذهب كل من وقف في طريق الجماعة، وناصبها العداء، وبقيت هي حاضرة بقوة، في بلد «المولد» وفي غيرها من الساحات، على اختلاف في حجم الحضور، إذ أن الجماعة لديها ديناميكية كبيرة على التكيف مع مختلف الظروف، سواء تحت الأرض أو فوقها، أو بين بين!
قد تنجح حركات الانشقاق في خلخلة قناعات البعض بالجماعة، وقد تشجع المتأرجحين على الهروب بعيدا، ولكن الجماعة بقيت مستعصية على التشظي، وقد أدرك هذا الأمر كثير من منتسبيها، فآثروا البقاء «داخل الصف» ومحاولة التغيير من داخل البيت، والحقيقة أنهم لم ينجحوا كثيرا في هذا المسعى، وإن تجنبوا ما يمكن أن يلحق بهم هم من آثار سلبية نتيجة لخروجهم من الصف.
إن عملية «أخونة الإخوان» إن جاز التعبير، لا يمكن ان تتم إلا من الداخل، وحتى الآن، تثبت الأحداث، ومسار تاريخها، انها تفتقر إلى الآلية الفاعلية في إعادة إنتاج نفسها، وإعادة هيكلة التنظيم، وربما يعود هذا الأمر إلى كثرة المحن التي مرت بها الجماعة، وربما إلى ما هو أكثر من ذلك، فتعاقب السنين وطول الأمد، يبني على الأشياء طبقة من التكلس، تفقدها اللياقة اللازمة، وتجعل من أي تغييرات جذرية في غاية الصعوبة.
ما يحتاجه الإخوان الآن، بعد كل ما مر بدعوتهم، هو نوع من التقويم العلمي البحت لمسيرتهم، مع الاستعانة بأصحاب رؤية من خارج الصف، وباحثين محايدين، ودارسين، لأن هذه الجماعة ليست ملكا لمن يحمل بطاقة العضوية، فقد غدت جزءا من تاريخ الأمة، وميراثها الدعوي والحضاري، وما تفعله في هذه الساحة أو تلك، تمتد آثاره على كل الساحات، و»يدفع» ثمن أخطائها غيرها ممن لم ينتسبوا لها يوما، ولهذا صار لزاما على حركة بهذا الحجم والتأثير أن تتخير مكان أقدامها، وتستبين مسيرها: من أين وإلى أين!
أما من ينشد «تغيير» الحركة بالانشقاق، والشغب عليها، فهو لا يخدم إلا من يسعى لشرذمة الجماعة، وإنهاكها، وإشغالها بمزيد من المحن، وكل هذا يعيق حركتها، ويتسبب بمزيد من المعاناة لها، وبالتالي، يضع العقبات في طريق تحقيقها لأي إنجاز، مما ينعكس سلبا وإيجابا على مكونات المجتمع العربي كافة!.
[email protected]
أضف تعليق