قبل الحديث عن الأول من أيار، يوم العمال العالميّ، علينا أن نستذكر الأسباب التي أدت إلى تحديد هذا التاريخ تذكيرًا بالغبن الذي يلحق العمال في عملهم وضرورة إحقاق حقوقهم العمالية والنقابية.
من فرسان العمل إلى الأول من أيار
عام 1869 تأسست منظمة تدعي «فرسان العمل»، كتنظيم نقابي يسعى إلى تحسين الأمور وتخفيض ساعات العمل في الولايات المتحدة. ومع تطوّر الحركة النقابية نجحت مجموعة من القيادات النقابية في تكوين هيئة للعمال عام 1886 والتي حددت الأول من ايار يومًا للإضراب العام في كل عام.
وعن أصول المناسبة، كان هذا في شيكاغو بالولايات المتحدة في 1886 حينما تظاهر عشرات الآلاف من العمال مطالبين بزيادة الأجور، وتحديد 8 ساعات للعمل يوميا. أطلقت الشرطة النار عليهم وسقط بعض العمال وأصيب العشرات واعتقل المئات ولفقت لبعض العمال تهمة إطلاق النار على الشرطة ونفذ فيهم حكم الإعدام، فإذا بأحد أفراد الشرطة يعترف بتلفيق التهمة للعمال، وأعيدت المحاكمة وحكم ببراءة من تم إعدامهم، فارتجت الأوساط العمالية في الولايات المتحدة وأوروبا، وتوثقت عرى التضامن بين عمال العالم تحت شعار "يا عمال العالم اتحدوا".
واضطرت أغلب دول العالم أمام هذا الضغط العمالي للاعتراف بعيد العمال العالمي، وعلى الرغم من الاتفاق على قصة عمال شيكاغو كأصل لبداية الاحتفال بعيد العمال فإن هناك روايات أخرى عن مولد فكرة عيد العمال، منها ما يقول إنها وُلِـدَتْ في أستراليا حينما قرّرَ العمالُ هناك في 1856 تنظيمَ يومٍ للتوقف الكامل عن العمل مصحوبٍ باجتماعاتٍ وتسلياتٍ وكان للاحتفال الأول وقْعٌ شديدٌ على الطبقة العاملة في أستراليا، ورفع معنوياتهم، مما حدا بهم إلى تحديد يوم سنوى للعمال فتقرّر أن يقام الاحتفال كل عامٍ.
ومن أستراليا انتقلت الفكرة لبلدان أخرى وكان العمال الأمريكيون أول مَن حذوا حذوَ العمالِ الأستراليين. إلى أن صارت حركة العمال في أوروبا أكثر قوة وحيويةً وتبلورت في مؤتمر عالمي للعمال في 1890.وأقر المؤتمر فكرة الإضراب في الأول من أيار 1890، واعتبر هذا التاريخ يومًا عالميا للعمال فكان هذا اليوم عيدًا للعمال حول العالم.
لا شك أن العمال في جميع أنحاء العالم حققوا كثيرًا من المكاسب إثر قيام الاتحادات منها الضمان الاجتماعي للعمال إثر الإصابة أو المرض وتحديد ساعات العمل بـ8 ساعات واستحقاق العامل عطلة يومين أسبوعيا وإنشاء مكاتب حكومية مهمتها التأكد من أن صاحب المصنع يتبع كل سبل السلامة ويحافظ على صحة العمال وتحديد حد أدنى للأجر وتحديد سن التقاعد ومنح المتقاعد معاشًا، وعدم فصل العامل من عمله إلا بعد عقد مجلس تأديب يشارك فيه اتحاد العمال ومنح المرأة العاملة إجازة براتب كامل لمدة أربعة أشهر (يتعلق في كل دولة) بعد الولادة ووجوب تمثيل نقابات العمال في مجالس إدارات المؤسسات، ولكن مع هذا هل تحسن وضع العمال ؟! وهل نضال العمال العرب في فلسطين الـ 48 هو طبقيّ فقط ؟!
سياسة إفقار ...معدل أجور منخفض وبطالة
من نافل القول أن الإضطهادين القومي والطبقي اللذين تعاني منهما جماهير عمالنا العاملة في المشاريع الإسرائيلية ليسا جديدين، فالعاملون في المشاريع الإسرائيلية يعانون منها منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ما يميز السنوات الأخيرة هو اشتداد الاضطهاد الذي يتعرض له العاملون في المشاريع الإسرائيلية، فإضافة الى زيادة نسبة الاعتداءات العنصرية على العمال العرب سواء بشكل فردي أو جماعي فقد زادت أيضاً ظاهرة الفصل التعسفي الجماعي وانخفض الطلب الإسرائيلي على الأيدي العاملة العربية عامةً ومن الضفة والقطاع خاصةً، وأستبدل العامل العربي بالتايلندي المستورد.
ومن المعطيات التي تجدر الوقوف عندها ما عرضته دراسة مركز "أدفا" بداية عام 2014، حيث نشرت معطيات دراسة أكدت على أن متوسط الدخل الشهري للعمال "الأشكناز" الين يعيشون في المدن في عام 2012 كان أعلى بنسبة 42% من متوسط الأجور الشهري لجميع العمال العاملين بأجر، بينما كانت أجور العمال العاملين بأجر في المدن أعلى ب-9% فقط من المتوسط. وتذيلت أجور العمال العرب في المدن القائمة بعيدًا وراء المجموعتين، بنسبة 34% أقل من المعدل في الدولة، وهذا يشمل أيضًا العمال في المناطق الريفية.
وعلى الرغم من افتخار إسرائيل بمعدل البطالة المنخفض- 5.8%- فهذا الرقم لأولئك الذين يبحثون عن عمل في المدن العربية يمتد بين 15%-30% وفي كثير من مدن التطوير فهذا الرقم يمتد بين 10% و-15%” في صفوف العمال العرب.
وفي تقرير آخر نشرته دائرة الإحصاء المركزية وتناول التقرير أحوال الرجال والنساء في المجتمع العربي، أشار إلى أن معدل أجور الموظفين والعمال العرب يزيد عن المعدل لدى نظيراتهم النساء بنسبة 22,4%، ووفق المعطيات فأن معدل الأجر الشهري للأجير العربي يبلغ 6383 شاقل، وللأجيرة العربية –4956 شاقل، فيما يبلغ معدل الأجر الشهري للعاملات والموظفات اليهوديات 7244 شاقل والمعدل لدى نظرائهن الرجال 10953 شاقل!
25 قتيلا في حوادث العمل !
سياسة الإفقار التي يعيشها المواطن العربي، والتي تظهر من المعطيات أعلاه، دفعت بالشباب العربي القبول بأي ظروف عمل حتى لا يتم "إستفراغهم" من سوق العمل، حتى لو كانت الظروف تعرضه للخطر. وفي الـ 28.4.14، اليوم العالمي لذكرى العمال الذين قتلوا في حوادث عمل، نشرت جمعية "معا" النقابيّة تقريرًا، اشارت من خلاله أنه وفقط خلال الـ 3 الأشهر الأولى من عام 2014 قتل 25 عاملاً في حوادث عمل – ممّا يعني أنّ العدد سيصل في نهاية السنة إذا استمرّت نفس الوتيرة إلى 100 عامل في عام واحد. ويشكّل هذا العدد الهائل من حوادث العمل القاتلة ارتفاعًا بنسبة 67% عن المعدّل السنويّ الذي يساوي 60 عاملاً فقط ومعظم الضحايا من العرب!.
275 الف عاطل عن العمل في الضفة الغربية
إلى جانب ما ذكر أعلاه، يتوجه يوميا العشرات من فلسطينيي الضفة الغربية خلسة إلى إسرائيل متحدين الجنود المتمركزين على الحواجز العسكرية على طول جدار الفصل في الضفة الغربية بحثا عن عمل داخل إسرائيل، ويغامرون بحياتهم.. يتنازلون عن أبسط حقوقهم في النوم الآمن والمأكل والاستقرار.. كل ذلك لقاء فرصة عمل تؤمن لهم الحد الأدنى من متطلبات الحياة.
وفق المعطيات الأخيرة فأن هنالك 275 الف عاطل عن العمل في الضفة يتنافسون فيما بينهم 3200 تصريح عمل إلى داخل إسرائيل فقط!
من الواضح أن الصورة القاتمة التي ذكرت أعلاه تشير إلى بعدنا عن العدالة الإجتماعية، ولن يتبقى لنا في موقع "بكرا" سوى تحية العمال في "عيدهم/ن" ...ويا عمال إتحدوا .
[email protected]
أضف تعليق