العالم بأسره مشغول بقضيّة مكافحة الإرهاب، المجتمع الإسرائيلي منهمك بمشاكله الأخلاقية والتّربويّة، يُكافحها بطرقه الخاصّة، حتّى مجتمعنا العربي غارق بمشاكله العديدة، غير قادر على حلّها جذريًّا، يعاني كبقيّة المجتمعات، من الإرهاب الاجتماعي، كالسرقات والنّهب والتّهديد... وانتهاك البيوت، كما يعاني من الإرهاب الاقتصادي، كالجوع والفقر وطوابير الإهانة، وحرمان لقمة العيش... إنّما الأفظع هو الإرهاب العائلي الذي بدأ ينتشر في بعض العائلات الشّاذة اجتماعيًا، فهي تعتدي على أبنائها وبناتها جسديًّا بوحشيّة، فتعذّبهم بالأدوات الحادّة، ونجد معظمهم في سن الطّفولة، لم تتعدَ أعمار بعضهم بضعة أشهر أو بضع سنوات، أو حتّى ما بعد بلوغهم سن المراهقة!

بدأت بذرة هذه الظّاهرة الإجراميّة، تتطوّر في مجتمعنا العربي، حتّى بدأت تطفو قليلاً على صفحات الصُّحف العربية المحلية، ويبقى السؤال: ألَم يولد هؤلاء المساكين من حُبٍّ متبادل بين الزّوجين؟!!... ألَم تكُن ولادتهم ثمرة علاقة حميمة بينهما؟!!... إلاّ أنّه كُتَب لهُم أن يعيشوا معيشة قهرٍ ومعاناة شديدتَين، رغمًا عن الظّروف، لم يُسعفهم نصيبهم المتعثّر، فتآمر عليهم الزّمن والقدر، حتّى باتا حَكَمًا شرسًا في حلبة صراعٍ بين ضمائر مَيْتة، فهذا عمل إرهابي اجتماعي مأساوي، من الدّرجة الأولى.

هؤلاء الأطفال عبارة عن كائنات بشرية، وليسوا موجودين في أروقة التّعذيب، للتّحقيق معهم في تهمة ما، لكنّهم بكل أسف وحزن موجودون في أتون التّعذيب العائلي اليومي، لا أحد يسمعهم، إلاّ إذا تجرّأ أحد الأبناء، وقدّم شكوى ضد أهله، الذين يتجاهلون مشاعرهم الحسّاسة للغاية... لماذا يفرض بعض الآباء هذا الطغيان العائلي الأصعب من التعذيب الجسدي على أبنائهم؟! للأسف الشّديد هناك اعتقاد خاطئ، يقول بأن التّربية القاسية تردع الأبناء، ترشدهم إلى طريق الصّواب! مع أن القسوة غير العقلانية تعتبر أسهل الطُرق إلى انحرافهم، ألَم يُفكّر هؤلاء الأهالي بأن هؤلاء المساكين، سيدعمونهم عندما تطالهم أذرع إخطبوط الشّيخوخة، فتُقيّد نشاطهم الجسدي وحتّى العقلي، وتتعطّل حركتهم، ألَن يُحافِظ أبناءهُم على مكانة أهاليهم الاجتماعية، بأخلاقهم الحميدة وبتصرّفاتهم اللبقة؟!

على ما يبدو، لم تتفتّح بعد المفاهيم الإنسانيّة لهؤلاء الأهالي! لأنّها بدائيّة التفكير، ما زالت تعتقد أن أمر تعذيب الأبناء والاعتداء عليهم، هي شؤون "عائلية خاصّة"، مع أن تصرّفاتهم الهمجيّة تليق فقط بالأوباش، وخرق فاضح للقوانين والنُّظُم العقائديّة الصحيحة، وتمادٍ غير مسبوق على الآيات الدّينيّة المقدّسة، فكما نادت بإكرام الوالدَين، فإنّها تنادي أيضًا باحتضان الأولاد ورعايتهم.

بعض الأمهات يشاركن بعض الآباء بجريمة الاعتداء على الأبناء، ويقفن عاجزات لرؤيتهم يعانون، رغم أن هؤلاء المساكين تطوّروا في أرحامهن، وامتصوا الغذاء من دمهن، فهُم الذين منحوهن إحساس الأمومة، وجعلوهن يحملن لقب "ماما"، هذا إذا كنَّ جديرات به! وهُم الذين جعلوهنّ يحتفلنّ بعيد الأم. استمد الأطفال نور عيونهم من أحشاء أمّهاتهم وهُم ربيعهن وليس العكس.

هناك حالات غير إنسانيّة ومرفوضة دينيًّا، إذ يقوم قلّة قليلة من الأهالي غلاظ القلوب، بتسليم وَلَدِهِم الذي وُلِد مشوّهًا، لمؤسّسة اجتماعيّة، لأنهم لا يقوون على رعايته، ولا يحتملون رؤية شكله الجسماني، وكأنه جسم غريب هبط من الفضاء الخارجي!! ألَن ينمو ويتطوّر عقل هذا الطّفل بالاتجاه السليم، ألن يكون الشّغل الشّاغل لوقتهم وحياتهم، رغم مراحل الألم التي يمرّون بها، لأنه بالأخير هو ابنهم، وستوفّر مؤسّسات الدّولة لهذا المولود المكان المناسب الذي يلائم وضعه... تهيئ له عالمًا خاصًا به، تُحدّد له إطارًا علميًّا أو مهنيًّا، بعد أن علَّمه بطن أمّه، كيفيّة السّباحة في رحم الحياة وليس فقط في رحمها.

كيف سيكبر هذا الطفل، إذا لم يكُن الأهل واحة من الحنان... إذا لم يهيئوا له حياةً طبيعية كباقي الأطفال، ليفرح بطفولته، المهم ألاّ يشعر أنه مختلف عن باقي الأطفال، فإذا لم يكُن عالمه منفتحًا على آفاق بيئته الواسعة، فسوف يعاني هذا الطفل مستقبلاً من تشوه نفسي، إذا صحَّ التعبير، وليس من السهل معالجته، فهنا سيكون الأهل هُم المسئولون عن ضياع مستقبله.

ليعلَم بعض الأهالي الذين يرفُضون هديّة الخالق، أنّ تصرّفاتهم فظيعة، وعليهم أن يُوفّروا لأطفالهم المُعذّبين والمشوّهين على حد سواء، تكافؤ الفُرَص، كي يمنحوهم حقّهم البسيط في الحياة واللعب والاندماج في كافة أُطُر المجتمع. فالأطفال هُم سنابل موسم حصاد تربية الأهل، لأنّنا بتنا على حافة اقتحام حدود الإنسانيّة، التي ترسم الملامح الصّحيحة لأي علاقة صحيّة بين الأهل وأطفالهم، لأنّهم بالنّهاية هُم ثمرة الحياة، ومنهم أيضًا سوف يجني المجتمع إنجازاته.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]