بالرغم من انشغال الإدارة الأميركية بتداعيات الأزمة الأوكرانية، إلاّ أن الرئيس أوباما ما زال ملتزماً بزيارة العاصمة السعودية الرياض بعد أيام، هي الثانية بعد الأولى قبل حوالي خمسة أعوام، الأمر الذي يشير إلى أهمية هذه الزيارة البالغة على ضوء تردي العلاقات السعودية ـ الأميركية، على خلفية مواقف أميركية برزت إثر التوقيع على اتفاقات أولية مع إيران، وعجز إدارة أوباما في التدخل لصالح المعارضة السورية وتلكئها في تنفيذ تهديداتها بدعم عسكري شامل للمعارضة وإنشاء منطقة حظر جوي، إلى أن برزت القوى الإرهابية لتلعب دوراً بارزاً في الميدان السوري، الأمر الذي قلب ميزان القوى لصالح النظام، وتحميل الرياض مسؤوليته إلى إدارة أوباما العاجزة.

ولكن وقبل وصول أوباما إلى الرياض، قامت السعودية باتخاذ خطوات تشير إلى مدى انزعاجها من السياسة الأميركية على ملفات الشرق الأوسط، خاصة عندما رفضت السعودية عضوية مجلس الأمن غير الدائمة كتعبير أولي عن مدى الانزعاج وإشارة كان لا بد منها بنظر الرياض، لمدى التصدع في العلاقات السعودية ـ الأميركية، إلاّ أن الرد السعودي الأبرز في هذا السياق، استباق زيارة الرئيس الأميركي لها بالتوجه شرقاً، إلى الصين تحديداً، الذي زارها ولي العهد ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبد العزيز آل سعود قبل حوالي أسبوعين، واللافت أن هذه الزيارة، حسب تصريح ولي العهد السعودي، نقلت العلاقات بين البلدين، السعودية والصين، من مرحلة التعاون إلى مرحلة "الشراكة الاستراتيجية" وهو التعبير الأول من نوعه الذي يؤكد على أن السعودية هدفت من هذه الزيارة إيجاد توازن في علاقاتها التي كانت محصورة في الاطار الغربي عموماً والأميركي خصوصاً، إلى شراكة استراتيجية لم تعد الولايات المتحدة وحدها، بالنسبة إلى السعودية، التي تحتل مثل هذا الموقع في العلاقات الاستراتيجية، ما يشكل ضربة قوية لتفرد الولايات المتحدة في اطار العلاقات التقليدية ـ التي لم تصبح كذلك ـ بين البلدين!

وإذا كان الدفء الذي دب في العلاقات بين الولايات المتحدة وإيران، كان علنياً وواضحاً من خلال التوقيع على اتفاقية حول الملف النووي الإيراني، فإن التأثيرات ذات الطابع السري للجهود الأميركية لزعزعة دول مجلس التعاون الخليجي، لصالح دعم الدور القطري للتأثير على عموم المنطقة، كان أمراً بالغ الخطورة بالنسبة للدور الإقليمي والقومي العربي. الموقف الأميركي لتداعيات الربيع العربي عموماً، والثورة المصرية في 30 يونيو / حزيران على وجه التحديد، زاد من تصدع العلاقات السعودية ـ الأميركية بعد أن تبين للرياض أن الدور القطري المتزايد المنسجم مع الأهداف الأميركية، ذو أهداف عديدة، أهمها هو العمل على تهميش الدور السعودي في المنطقة عربياً وإقليمياً، لحسابات قوة صاعدة أميركية تمثلت في الإمارة القطرية.

وربما حاولت واشنطن أن تجري بعض الجراحات التجميلية في منطقة الخليج العربي، في محاولة منها للإيهام، أن هناك تغيرات من شأنها جسر الهوة في اطار صراعات مجلس التعاون، وذلك عندما أسهمت من دون شك في تولي الأمير تميم بن حمد آل ثاني مقاليد الحكم من والده، إلاّ أنه وقبل أن ينتهي عام من حكم أصغر أمير في منطقة الخليج العربي، فإن قدرة هذا الأمير على إصلاح الأمور، باتت منعدمة، بسبب الطموحات التي رسختها واشنطن من ناحية لدور هذه الإمارة، ولدور "الحرس القديم" في الإمارة، والذي ربما لا يزال قادراً على أن يحكم من خلف ستار، وها نحن نرى، بعد بضعة أشهر من تولي الأمير الجديد للحكم ـ فقد زاد الأمر تصدعاً عندما أعلنت كل من السعودية والبحرين والإمارات سحب سفرائها دفعة واحدة من الدوحة، أما الكويت، التي لا يختلف موقفها عن الدول الثلاث، فإنها "تأخرت" في قطع علاقاتها مع الدوحة لأسباب إجرائية، حيث أنها ستكون مقراً لعقد مؤتمر القمة العربي هذا الأسبوع، وهي حريصة على لم الشمل العربي لنجاح هذه القمة المنعقدة فوق أراضيها، الأمر الذي جعلها تتخلف عن قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الإمارة القطرية.

وفي تسريبات نشرتها وسائل الإعلام الأميركية، أن مشروعاً تمت دراسته في وزارة الدفاع الأميركية، كان سيعرض على البيت الأبيض، يتضمن تخفيض التواجد العسكري في قطر لتخفيف النفقات على خلفية تخفيض ميزانية الدفاع الأميركية، إلاّ أن الحكومة القطرية سارعت بتقديم تعهدات بدفع نفقات الجيش الأميركي كاملة، وانه الآن تتم دراسة التكاليف وتحضير اتفاق جديد بين البلدين ("العرب" ـ 22/3/2014). فالدوحة تخشى من أن تخسر دعماً أميركياً من دون أن تربح الخليج، خاصة بعدما ألغى الجانب الأميركي لقاء قمة في الرياض يجمع الرئيس الأميركي مع أمراء وملوك الخليج ومن بينهم أمير قطر الجديد، وذلك بطلب سعودي حسب وسائل الإعلام الأميركية.

وعندما يصل الرئيس الأميركي إلى الرياض، سيجد الخليج العربي ليس كما عرفه، الربيع العربي، لم يصل إلى هناك بعد، إلاّ أن تأثيراته المباشرة أحدثت تغيرات بالغة الأهمية، وربما سيفلت الخليج العربي من القبضة الحديدية للتأثير الأميركي، التوجه السعودي شرقاً نحو الصين إحدى علاماته ولكنها ليست الإشارة الوحيدة، ولم يتبق أمام واشنطن لتصحيح علاقاتها وإعادتها إلى شكلها التقليدي إن أمكن، سوى مراجعة مواقفها انطلاقاً من الموقف من الثورة المصرية في 30 يونيو/ حزيران.. وإلاّ فإن الخليج العربي سيظل مختلفاً عما كان الأمر عليه، والدوحة ستبقى رهاناً خاسراً للسياسة الأميركية في المنطقة!!

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]