لقد تردت الكنيست في الأسبوع الماضي إلى الحضيض وذالك نتيجة لسن موجة عارمة وجائرة من القوانين العنصرية والمميزة الموجهة ضد مجموعات معينة وخصوصا، وبشكل واضح ضد المجتمع الفلسطيني في الداخل. من بين هذه القوانين، على سبيل المثال لا الحصر، تعديل قانون الحوكمة ورفع نسبة الحسم لانتخابات الكنيست إلى 3.25% الذي يهدف في الأساس إلى وضع عراقيل وعقبات أمام التمثيل العربي في الكنيست بل تهميشه إن لم يكن إقصاءه تماما وخصوصا وأن هذا التعديل دفع وقدم من قبل شخصيات سياسية عنصرية تعمل بشكل منهجي ومستمر على مدار سنوات، من بينها وزير الخارجية ليبرمان ورئيس الائتلاف الحكومي يريف ليفين اللذان لا يريدان أصلا وجود العرب الأصلانين في البلاد بل يسعون بشكل حثيث إلى طردهم وتهجيرهم.
القانون الثاني الذي سن هو قانون الاستفتاء الذي يلزم إجراء استفتاء في حال تم التوصل إلى اتفاق بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي. هذا القانون وضع من أجل تفويت الفرصة ووضع العراقيل الإضافية ودق المسمار الأخير في نعش العملية السياسية والمفاوضات وهي التي قلنا أكثر من مرة، ومنذ البداية، بأنها ستؤول إلى الفشل، لا محالة، نتيجة التعنت الإسرائيلي والانحياز والانزياح الأمريكي. ولا يمكن لأي عاقل ومتابع ان يعول على هذه المفاوضات.
القانون الثالث، والذي هو أكثر خطورة، باعتقادي، هو المشروع الذي يهدف إلى تشتيت وشرذمة وتجزيء المجتمع الفلسطيني في الداخل إلى طوائف ومجموعات دينية والتعامل معه بناء على هذا الانتماء وحثه على تأسيس مؤسسات تمثله على هذا الأساس.
سوف نتطرق لاحقا إلى أهداف هذا القانون وتبعاته وأبعاده والطرق المقترحة لمقاومته وأساليب تحديه وخصوصا ان البرلمان والحكومة الحاليين هما الأكثر عنصرية وتطرفا مقارنة بكل بالحكومات والبرلمانات السابقة، ( لن نستطيع في هذه العجالة عرض جميع القوانين والمشاريع التي مست في العرب في السنة الأولى للحكومة والتي تنتهي هذا الأسبوع) ولكن من الجدير بالذكر بان القانون الذي نحن بصدده هو قانون المساواة في تكافؤ الفرص في العمل والذي سن في الماضي من اجل الدفاع عن حقوق العمال ومنع التمييز ضدهم على أي أساس وخصوصا ألانتماء القومي أو الديني. وقد أقيمت مفوضية للمساواة في تكافؤ الفرص في العمل تهدف إلى تطبيق القانون والى جانب هذه المفوضية تعمل لجنة استشارية كانت تشتمل على 21 عضوا والآن بعد التعديل تم زيادة أعضائها إلى 26 عضوا ولكن الأهم أنه تم تخصيص أماكن لمنظمات تعمل من أجل حقوق المسلمين في العمل، وأخرى تعمل على حقوق المسيحيين في العمل والأخيرة تعمل على تقديم حقوق الدروز والشركس.
لقد كان هذا القانون واحدا من القوانين التي تباهت بها الحكومات الإسرائيلية أمام المؤسسات الدولية وخصوصا قبيل انضمامها إلى نادي OECD ولكن هدف آلية التعديل الحالي للقانون هو فصل التمثيل العربي وهذا يعني انه بدل ان يكون تمثيل لمؤسسات عربية جماعية تشمل جميع الطوائف يكون التمثيل على أساس طائفي ديني. ما يدعيه لفين مقدم القانون هو محاولة دمج المسيحيين ومنحهم امتيازات.
هذا ادعاء باطل بل الهدف الحقيقي هو دق إسفين وخلق توترات وخلافات بين أبناء الشعب الواحد ونشر الفتن بين المجموعات الدينية العربية. هذه السياسة ليست بجديدة فقد عمدت الحركة الصهيونية قبل تأسيس الدولة وبعدها إلى تكريس سياسات التفرقة والفصل بين الطوائف العربية بشكل واضح ومدروس وممنهج وذالك من اجل محو الهوية العربية الفلسطينية ومنع تشكل تنظيمات عربية وحدوية وعدم السماح للعرب بصياغة أهداف ومصالح مشتركة.
ما يعزز ادعاءنا هو ما أورده الببروفيسور ايان لوستيك في كتابه الهام "عرب في الدولة اليهودية: سيطرة إسرائيل على أقلية قومية (1985)" بان سياسة الفصل الداخلي شكلت احد أكثر الأسس أهمية في سياسات الدولة تجاه العرب". كما ان حزب مباي الذي حكم البلاد لسنوات طويلة نهج نفس النهج بل أقام لجانا مثل لجنة مردخاي نمير وغيرها التي أوصت بتعميق الخلافات والتناقضات وعدم امتزاج العرب في إطار وحدة واحدة كما يسرد بتوسع وموضوعية الدكتور يائير بويميل في كتابه ظل ازرق ابيض (2007) الذي يحلل من خلاله سياسات المؤسسة الإسرائيلية تجاه المواطنين العرب بين السنوات 1958-.1968 ويستشهد بويميل بنص لأحد مستشاري رئيس الحكومة للشؤون العربية عام 1959 والذي يلخص به سياسات الحكومة في العقد الأول للدولة:" سياسة الحكومة انصبت في العشر سنوات الأخيرة على تمزيق المجتمع العربي لطوائف ومناطق..".
من الواضح ان هنالك تناقضا بين القانون الذي كان يبغي الدفاع عن الحقوق ومنع التمييز ليصبح القانون أداة تمييز ضد العرب ويسعى إلى شرذمتهم وتشتيتهم ويريد تشجيع واستحداث مؤسسات ليست جماعية بل خلق مؤسسات طائفية دينية منغلقة على ذاتها ومحاولة تحييد الإخوة المسيحيين من الصراع وجعل الصراع صراعا دينيا اسلاميا يهوديا بدلا من ان يكون صراعا قوميا.
هذا النسق من التفكير والممارسة ليس حديثا، ولكن له جذورا عميقة ومتأصلة جدا أحيانا تنكشف وأحيانا تبقى مغلفة وتهدف إلى خلق حالة من الاقتتال الداخلي وخصوصا اننا مجتمع مأزوم يعاني من ضغوطات متعددة ومتنوعة. بالإضافة إلى ذلك يرنو متخذو هذا القانون ليس إلى احترام الهويات الدينية بل على العكس تماما يتم الاعتداء على الكنائس والمساجد، يمنع لاجئو الداخل جميعهم من العودة إلى بلادهم وعلى رأسهم سكان اقرث وبرعم، وقيادات وطنية عربية تطارد وتعتقل من كافة الطوائف دون تمييز.
أضف إلى ذالك انه بالرغم من ضعف وهشاشة الأطر الجماعية العربية مثل لجنة الرؤساء ولجنة المتابعة وبعض مؤسسات المجتمع المدني إلا أنها تشكل عاملا مخيف لليمين المتطرف وتقض مضجعه وتثير هواجسه.
نحاول الآن بعد محاولات الشرح والتفسير ومحاولات توضيح الغايات والنوايا السيئة الدفينة والواضحة لهذه القوانين الربط بينها فكريا وموضوعيا من اجل اقتراح خيارات استراتيجية وبدائل:
1. يجب الحسم بموضوع المشاركة في الانتخابات للكنيست إما المشاركة الكاملة في إطار قائمة واحدة تشمل جميع الأطر السياسية ووجوه شابة وقيادية وذكية تستطيع فهم طبيعة المرحلة وتركيبها وإما المقاطعة وعدم المشاركة في الانتخابات للبرلمان والإعلان بأننا لسنا جزءا من اللعبة على غرار ما فعلت المعارضة في الأسبوع الفائت. أما الوضع الحالي الذي ينقسم به المجتمع فهو لا يقدم قضايانا.
2. يجب انتخاب اطر جماعية عربية وتفعيلها وعلى رأسها المجلس الأعلى للجماهير العربية الذي يترتب ان ينتخب بشكل ديمقراطي ومباشر ويخلق مركزا للحراك السياسي العربي.
3. الحذر من سياسات الحكومة الرامية إلى خلق الخلاف بين المجموعات الدينية العربية والعمل على تعزيز النسيج الوطني ونبذ التعصبات ونشر روح المحبة والتسامح والوحدة بين أبناء الشعب الواحد.
4. عدم الرضوخ للقوانين التي تريد وتشجع الفصل الطائفي بل العمل مقابل الدولة فقط من خلال اطر عربية وحدوية.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
الهدف واضح وجلي, واقتراحات كهذه التي تدعو الى 'تفضيل' طائفة على اخرى تشعرني بالاشمئزاز.