كثيرة هي التصنيفات التي يتم إطلاقها عند توصيف مايجري على الأرض السورية، واختلاف هذه التصنيفات هو جوهر المشكلة كما أنه في نفس الوقت هو جوهر الحل وأساسه. فمن السهل البدء في الحل عند معرفة المشكلة وتحديد أسبابها، وعلى الرغم من مرورحوالي ثلاث سنوات على الأزمة السورية لايوجد اتفاق على تحديد ماذا يجري فعلاعلى أرض الشام.

البعض تحدث عن ثورة سلمية لا طائفية قام بها الشعب السوري للمطالبة بالتغيير وتداول السطة بطريقة مدنية سلمية، ولكنه قوبل برد عنيف من قبل نظام طائفي استبدادي مستخدما شبيحته وقواته “النصيرية”للدفاع عنه مستعينا بدعم خارجي من قبل روسيا وإيران وحزب الله. مما اضطر هذا الشعب لحمل السلاح بعد ستة أشهر من المظاهرات السلمية للدفاع عن نفسه وعرضه في ظل تقاعس المجتمع الدولي في حمايتة من بطش قوات النظام وشبيحته. أسأل أصحاب هذا المنطق :

أولا: كيف يمكن القول أن الاحتجاجات بقيت سلمية لمدة ستة أشهر رغم قتل المئات من المدنيين وعناصر الشرطة والجيش في بداية الأزمة ومنهم على سبيل المثال : نضال جنود وهو مدني قتل في بانياس بطريقة بربرية وموثقة بتاريخ 10 نيسان/أبريل2011 ، والعميد عبدو الخضر التلاوي وولديه وابن شقيقه وتقطيع أوصالهم بعد قتلهم في حمص بتاريخ 17/4/2011، والعقيد الركن محمد عبدو خضوراغتيل بإطلاق النار عليه في مدينة حمص بتاريخ 19/4/2011، والعقيد معين محلا اغتيل في منطقة الزهراء بحمص بتاريخ 17/4/2011، و المقدم وهيب عيسى –اغتيل بإطلاق النار عليه على طريق طرطوس/ اللاذقية في 10/4/2011. قتل أكثر من 120 عنصر أمن والتمثيل بجثثهم في بداية شهر حزيران من عام 2011 في جسر الشغور- ذبح عناصر الشرطة في حماه وريفها الشمالي في شهر 7 من عام 2011…

ثانيا: كيف يعلقون على كلام الشيخ أنس عيروط الطائفي خلال مظاهرة في بانياس في شهر نيسان(أبريل) 2011 (بعد أقل من شهر على بداية الأزمة). ففي الوقت الذي كان فيه الشيخ يحض المتظاهرين على عدم قتل الطرف الآخر حتى لو كان هو المعتدي وعلى عدم تمزيق صور الرئيس، يفصح عما يخفيه في قلبه، حيث يقول حرفيا ” صورة الرئيس ياشباب لاتمزقوها دعه يا أخي يعلق مايشاء المهم أن لايكون مخربا المهم أن لايكون مفسدا ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم . يمزق لك آية الكرسي إذا مزقت له صورة. ماهو مقدس عنده ليس مقدس عندك وماهو مقدس عندك ليس مقدسا عنده”. فالمفترض هنا أن الشيخ يتحدث عن السلمية وعدم الأقتتال لكنه لم يستطع إخفاء نظرته الطائفية تجاه الرئيس والعلويين فاعتبر أن العلويين كفارا لايؤمنوا بالقرآن بل أنهم الأكثر كفرا وحقدا وعدم احترام لأي مقدس لدى الآخر لدرجة أن تمزيق صورة للرئيس سيقابلها من قبلهم تمزيق أعظم آية في القرأن وهي آية الكرسي!!. بالإضافة للقنواتالفضائية المتخصصة في التحريض علنا ضد العلويين والشيعة والتذكير بفتاوي بعض شيوخ الإسلام ضدهم.

ثالثا: بافتراض أن كل ماقيل عن قتل المتظاهرين صحيح، هل يبرر ذلك التسليح واستجداء الدول العربية والغربية لتسليح الشعب السوري والأطفال قبل الكبار، هل يمكن أن تقدم أي دولة عربية أو غربية السلاح لمجموعات مقاتلة بدون مقابل؟ ثم كيف يمكن إسقاط نظام يتم وصفه بالإرهابي والدموي بالأسلوب الذي يحبه وهو استخدام العنف؟ هاهي المظاهرات في البحرين دخلت عامها الثالث ولم يتم استخدام قطعة سلاح واحدة خلال المظاهرات رغم تجاهل معظم الإعلام العربي والغربي لهذه الاحتجاجات.

رابعا: نسمع الكثير ممن يقول أن العلويين يمسكون بمفاصل الدولة وخاصة في الجيش والأمن، هذا الكلام غير دقيق، يمكن أن تعودوا لمقابلة هيثم مناع مع ليث شبيلات على قناة الميادين في برنامج لعبة الأمم على قناة الميادين منذ أكثر من عام حيث قال بالحرف الواحد: “على فكرة في شيء كثير ناس بتخطئ فيه. في ستة أساسيين في أجهزة المخابرات السورية من غير العلويين وحاكمين بأمر الله في الأرض وليس فيهم علوي واحد” . رابط الحلقة:

http://syrianncb.org/2013/02/08/حلقة-خاصة-لبرنامج-لعبة-الامم-حول-المؤت/.

وعلى النقيض من الذين يتحدثون عن ثورة سلمية غير طائفية فإن البعض الآخر يصنف كل مايجري في سورية على أنه مؤامرة خارجية تستهدف استقرار سورية ووحدة شعبها وتقودها تركيا والسعودية وقطر والغرب وأمريكا.. لا أحد ينكر وجود مؤامرة تستهدف سورية ودول المنطقة عموما لكن السؤال ماذا فعلت سورية وقيادتها للعمل على منع تنفيذ هذه المؤامرة؟ لماذا كان ممنوعا انتقاد أي وزير في الحكومة في أي وسيلة إعلامية سورية قبل الأزمة؟ ألم يعمل آردوغان قبل الأزمة على استغلال موقع سورية ودورها ليحقق مايريد على حساب السوريين وبمباركة السلطة التي اعتبرت علاقتها مع تركيا يومها “انتصار” دبلوماسي كبير لدرجة أن سورية لم تقبل إلا بالتركي (العضو بالحلف الأطلسي) ليكون الوسيط “النزيه” في المفاوضات بين سورية واسرائيل، ناهيك عن نقل الثقافة والعادات التركية والترويج للسياحة في تركيا من خلال دبلجة المسلسلات التركية باللهجة السورية؟ ألم تعتبر الحكومة السورية دخول قوات درع الجزيرة إلى البحرين قانوني وشرعي(راجع مقابلة وليد المعلم مع جريدة الشرق الاوسط 20/ 3/ 2011) فلماذا أصبح غير شرعي واحتلال فيما بعد؟ حكومة عطري التي دمرت الزراعة وقضت على الريف السوري في الدرجة الأولى لماذا استمرت حتى عام 2011؟ لماذا طالما هناك معرفة بوجود مؤامرة تحاك ضد البلد لم يتم تحصين الجبهة الداخلية بإجراء حوار جدي بين كل مكونات الشعب السوري بدلا من محاولات إخفاء الحقائق المتمثلة بالحاجة الماسة للإصلاحات وعلى كافة الأصعدة والبدء بالإصلاحات السياسية؟ لماذا لم تدعم الدولة تكوين جسم معارض وطني فاعل على الأرض السورية بالإضافة لدعم إنشاء قنوات فضائية تتحدث باسم المعارضة من دمشق حتى تسحب الشرعية من إئتلاف الدوحة كممثل للمعارضة ؟ٍ لماذا يبقى المسؤول رغم كل فساده وسرقاته في منصبه ولا أحد يحاسبه حتى ينشق عن الحكومة فيبدأ الحديث عن ملفات فساده وإهداره للمال العام؟

بالإضافة “للمؤامرة والثورة” هناك من يصنف الحرب في سورية على أنها حرب طائفية وبالتحديد بين السنة والعلويين باعتبار جميع المناطق الساخنة ينتمي سكانها لأهل السنة والجماعة وبالمقابل معظم المناطق العلوية هادئة باعتبارها موالية للسلطة وتقاتل في الجيش.. كل من يصنف الحرب على هذا الشكل هو أما جاهل أو طائفي لايعترف بوجود وطن اسمه سورية. إذ كيف يمكن القول بوجود حرب طائفية بين السنة والعلويين في الوقت الذي تستقبل المناطق العلوية سواء في الساحل أو في الداخل العائلات السنية التي اضطرت لمغادرة بيوتها. لو كان هناك حرب طائفية لانتهت الدولة منذ أكثر من سنة لأننا نتحدث عن ملايين السنة في سورية مقابل حوالي 2 مليون علوي .. حصلت مجازر في ريف اللاذقية في 4 آب (أغسطس) من العام الماضي بحق 12 قرية علوية وبعض هذه القرى تمت قتل كل عائلاتها وأختطاف أكثر من مئة أمرأة وطفل ومازال مصيرهم مجهول حتى اليوم ومع ذلك لم يكن هناك ردة فعل طائفية تجاه السنة المقيمين في الساحل ونفس الأمر ينطبق عندما حصلت مجزرة البيضا بحق عائلات سنية.

في الحقيقة استمرار الحرب في سورية وعليها يقع على عاتق المتطرفين من الطرفين في المعارضة والسلطة فهما يتحملان فشل انطلاق الحوار السوري – السوري في دمشق الذي كان مقررا في صيف العام2011 والذي كان بقيادة شخصية وطنية معروفة هو السيد فاروق الشرع فلو كان الطرفين يومها مقتنعان بأن الحل العسكري لن يحل المشكلة بل سيزيدها تعقيدا لما أفشلوا مهمة الشرع ولما كنا وصلنا لهذا الخراب كله. فهل من مصلحة أي مواطن سوري أن يدمر جيشه؟ وأن يموت يوميا العشرات من شباب بلده؟ ماذا يستفيد السنة والعلويون والمسيحييون والدروز..الخ من هذه الحرب سوى أنهم يفقدون أولادهم وأخواتهم وآبائهم يوميا وخاصة الفقراء منهم لأنهم هم ضحايا هذه الحرب في الدرجة الأولى.

ماحصل ويحصل في سورية سببه أولا عدم إقتناع المتطرفين من الطرفين بأن الوطن أهم من الأشخاص وبأنه وطن جميع السوريين دون استثناء أي طائفة أو فئة أو مجموعة مهما كان حجمها صغيرا، أما المؤامرة والتدخلات الخارجية هي نتيجة طبيعية عندما يضعف البلد وينكشف للخارج، في حين أن مفهوم الثورة يعني التغيير الجذري الذي يتطلب أن يدعمه غالبية الشعب وهذا التغيير يجب أن يكون للأفضل وليس للأسوأ. وللأسف مقومات “الثورة” لم تكن موجودة منذ اليوم الأول للاحتجاجات في سورية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]