الآن أمارس الوحدة في هذه الغرفة ولا أملك الا فنجان قهوتي وضباب سجائري وتلك الموسيقى وأوجاع الذاكرة.. ألا يمكن أن أنسى ما مضى .. أن أعيش يومي دون أن أمارس الموت مع كل ذكرى ..

كيف استطيع ان انسى وانا الذي مارست كل طقوس حياتي بين جدران هذا المكان ..ما بالي امسيت مغفلاً .. كيف لي ان احاول تجاهل تلك الايام المجنونة الجميلة الحزينة التي ختمت تعمداً بكل هذا الدم ..

كيف لأي انسان ان يهرب من انين الماضي الذي ولد الأفعال والاقوال والكثير من الاهات ..سأمتطي جواد الذكريات واعود بالزمان لذلك المكان ..سأرسم الافتتاح من جديد بين ثغرات الذاكرة ..كيف اقبل الاصدقاء مندهشين بما صنعت يداهم ويداي ..

سأبدأ بتلوين الرسم ع دقات الساعة السادسة مساءً من يوم الخميس السابع من الشهر السادس من العام الثاني عشر بعد الألفين ..سأتأمل الاضاءة التي امتطت حصان الحب والدفء والابداع..

كيف لا تمطيه وهي مزروعة بأنامل بلال .. بلال الشاب الفلسطيني الأسمر ذات الروح المرحة ..صاحب الانتماء عاشق الحرية شهيد الصلوات ..
بلال اجمل من رسم الحرية بكتاب يدرس من بعده للاجيال ..يعلمهم باتقان من اراد كسر الغلال يعتقل وينال الحرية ويقدم كل طاقته لمساعدة الانسان ..بكتابه علمنا كيف افنى وقته لتأمين احتياجات المقيمين قصراً بمراكز الايواء ..اجتياجاتهم التي عمدت بالدماء ..لتصل لهم وتزرع البسمة المقهورة على الشفاه ..

بلال أقبل الان شهيداً بغدر طائرة رمت نيران حقدها على الابرياء ..فكيف لهذه الاضاءة ان تخفت وهي من اضيئت من صناعة نبي لم يذكر في كتب السماء ..

سأغرد الأن على تلك الجدران التي نقشها الأصدقاء بإبداع اللوحات المرسومة من قبل كل فنان شاركنا المكان بإبداعه ورقة يداه وقوة احساسه ..
تلك الحيطان ذات اللون الأبيض المطرزة بحرفة محمود أبو أمل ..أبو أمل الشاب الفلسطيني عاشق فلسطين محب السلام حيث قدم كل ما يملك من حب وايمان وانتماء لمساعدة اهله في دولة اليرموك القابعين تحت حصار فاشي مرير ..والان ابو امل يمسي معتقل في جحيم النظام .. ولنا أمل في حريته فهو طير الأمل ..هو من علمنا ان نربي الامل وحب فلسطين والموت لأجل ما نعشق ..

سأتأمل السقف من جديد المملوء بالذكريات ..ذلك السقف الممزوج بتلك الاضاءة مع خشب السنديان التي ترسم دمشق القديمة باتقان بين طياتها ..
السقف الذي صنع هرمه عمار ..عمار الذي تضرع بصلاته لان تبقى سوريا بسلام ..وان يكون المخيم الطريق الاول للعودة لفلسطين وانهاء مسيرة الشتات ..

عمار الان محاصر في دولة اليرموك يعاني الجوع بتهمة انسان .. سأسرح بفكري مع تلك الموسيقى المجنونة التي ابدعت في أول حفلة موسيقية في هذا المكان .. الموسيقى التي سارت بي الى الأمل والابتسامة والكثير من الحب ..

الحب ..نعم الحب .. الحب الذي عشته مع تلك المجنونة صاحبة الضحكة المرسومة .. تلك المجنونة الممزوجة بالبراءة والانسجام كلوحة الله في الأرض والسماء .. تلك التي سرقتني الى ما لا اعلم ..الى حلم لا يوجد له مخرج .. الى جنون العشاق ..تمنيت وصلها .. الموت على جسدها ..دفني بين بحور دمعها ..الانتحار بين هضابات نهدها .. السكر من رحيق فمها ..

تلك التي مزجت ببعدها الاحزان .. وبقي الحب بالنبض يخفق دون ان ينسى ما قد مات ..وسأشاهد ذلك الفيلم من جديد .. الفيلم الذي تكلم عن ما عشقناه ..دمشق مع حبي هذا ما قد عرضت في ذلك اليوم ..يا ريتني ايقنت قبل ذلك بأني اقدم الدموع للاصدقاء ..ما بالي اعتلت الدموع وجنتي ..لكن هذا واقعي ..هذا المك والمي ..فدمشق هي حبي ..

وسأصغي الان لتلك الاشعار وكأني اسمعها الان ..ملتقى شغف ..شباب تعمدو بعشق الوطن والحرية والسنديان وقوفاً ..ابدعو بما كتبو ليرسلو صلاة عشقهم والمهم وحبهم وانتمائهم ..

وكيف لا يملكون حس الابداع وهم اصدقاء خالد الانسان ..خالد الرجل في زمن العاهرات ..خالد القوي في زمن الخنث كان اوضح عنوان ..
خالد الشاب الذي قدم المستحيل لتأمين ما يحتاجه اليرموك ليستمر بالعيش الكريم ..

واين خالد الان ..شخصيا لا اعلم ..بعضهم يقول انه شهيد بعد اعتقاله المرير ..ولكني اقسم برب الأكوان انه حي خلف القضبان ..بأمل بالحرية ليعيد المخيم كما كان ..

سأرحل لغرفتنا هناك محمد أخي عاشق الياسمين مبدع الفكرة فصل من فصولنا الاربعة التي اتممناها برفقة ادهم صاحب القلب الطيب الهادىء عاشق القهوة برفقة نيران السجائر واحياناً النبيذ

وثالث فصولنا اسامة ..اسامة الانسان العاشق المبدع الفنان فلسطيني الدم دمشقي الروح ماذا اقول عن من صان تركت الاجداد ..طالب الحرية بأجمل ميعاد ..رابعهم أنا ولا اعلم الى اين اسير الان انا ..

هلا استطيع تحدي ما فات ..هل اتجاهل ذكرى هجرنا لذلك المكان ..هل اقوى على القفز عن تاريخ نكبتنا الثانية التي خطت بصفحات الاسى لشعب الشتات ..
المكان اعلن الخلو من الأصحاب ..اولهم هاجر ثانيهم معتقل ثالثهم محاصر اجملهم شهيد ..ما بال الله لم يرحم دموع الامهات ..فقدنا الانسان وخسرنا المكان ..

الم يستطع جل جلاله انزال رحمته على ابناء المخيمات ..هل من حظنا دائماً الموت والبعد واتقان الصمود والاحزان..

لا تحزن يا رب الأكون .. انني اهوى جهنم ولون النار ..لاترتجي مني العبادة والسلوان .

ان سئلني الاصدقاء هل نسيت المكان ..سأجيب والدمع يصلي على ما تبقى مني كأنسان ..

كيف انسى المكان الذي كان مقهى ومع صوت المدفعيات في دول الجوار اقبل مأوى ..مأوى لمن فقدو احلامهم ..

كيف انسى المكان الذي تضرع الحب والحنان لكل طفل هارب من ركام الدمار ..

كيف انسى المكان الذي جمعني بغسان وكوسا ومنير وبسام وحسان واخرون كثر يرقدون بالسماء يعشقون يغنون تراتيل الحب والحرية والسلام ..

كيف انسى من جمعني بحسام وسلمى وماهر ومحمود وعدنان وفياض وكثيرون اولئك الموجودون في اقبية المعتقلات يتعمدون صبراً متأملون خيراً بالحرية والعودة للديار ..

كيف انسى هفال ورنا وحسام ورزان وبرغيس ونيراز ورضوان وكثر من ارباب الحصار بدولة اليرموك باقون ..بالعهد متمسكون ..بالعودة لفلسطين مخلصون ..

وان سألني البشر ما قد حصل ..

سأقول منذ الازل

وحتى اللحظة ترنيمة الدم تعزف

على تقاسيم الوتر نفسه

وبنفس مطوق بتراجيديا الهجاء

قابيل يهجو اخاه بقتله

والتعويذة تجدد

تشريعاتها في براثين الموت الحاضر ..

وان سئلني احدهم ما سر المكان ..

سأجيب مع تنهيدة الموت والحصار ..

جدل الفكرة والمكان بما فيها من فرح والم جنون وحرية

لشباب فلسطين لاجل مخيم اليرموك

هي كذلك ستبقى هي من اليرموك واليه

علينا نحن ان نحرس ورود الشهداء

وعلينا نحن ان نحيا كما نحن نشاء

ايها المارون بين الكلمات العابرة

كالغبار المر مروا اينما شئتم

ولكن لا تمروا بيننا كالحشرات الطائرة

لنا في ارضنا ما نعمل

ولنا قمح نربيه وتسقيه ندى اجسادنا ..

ولنا ما ليس يرضيكم هنا ..

حجر ..أو خجل

فخذوا الماضي اذ شئتم الى سوق التحف

واعيدوا الهيكل العظمي للهدهد ان شئتم

على صحن الخزف

لنا ما ليس يرضيكم ولنا المستقبل ولنا في ارضنا ما نعمل ..

جدل ملجأ لجيرانه واحبابه ..جدل الاغاثة والرفض

جدل الحرية والكرامة.. الشهداء والمعتقلين

من فلسطين ولفلسطين

جدل فوق الفصائل والاحزاب والحسابات الصغيرة

وان امسى اليرموك دولة

فجدل خير عاصمة

ولا يمكن لعاصمة ان تموت

ماهر موعد



أحببت الخبر ؟ شارك اصحابك

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]