يقول فوكوياما: "إن الخطورة في العالم الإسلامي تكمن في الصراعات الطائفية بين السنة والشيعة". لذلك حان الوقت لوضع حد للمشاركة في الحروب العبثية التي يشارك فيها شبابنا دون مبرر معقول أو هدف نبيل يستحق التضحيات الكبيرة التي يقدمها هؤلاء الشباب، تلك الحروب التي يختلط فيها الحابل بالنابل، وتمرغ بها قيم الإنسانية وتزهق بها أرواح الأطفال، وتنتهك بسببها أعراض المسلمات! لقد أثلج الصدور الأمر الملكي الأخير الذي يحظر المشاركة في الأعمال القتالية خارج المملكة.
الحروب التي تحدث في العراق وسورية واليمن حروب طائفية عبثية تشرد الأبرياء وتزهق الأرواح البريئة، ولا يمكن إنهاؤها أو الحد منها إلا برفع مستوى الحوار بين المسلمين أنفسهم "وهذا ليس بالأمر الهين"، أو بجهود دولية منظمة توقف نزيفها وتحد من توسعها، وبالتأكيد لا يمكن حسمها من قبل مجموعة من شباب تنقصهم الخبرة القتالية، ولا يمتلكون سوى الحماس والنوايا الطيبة التي قد تلهبها أفكار لا تخدم الدين، بل تلحق الضرر بسمعة المملكة ومكانتها العربية والإسلامية والدولية.
فبدلاً من حث الشباب على العمل والعطاء وتشجيعهم على الإبداع في مجالات اختصاصاتهم، يقوم البعض بحثهم على الجهاد والزج بهم في جبهات القتال بحجة الذود عن الدين ونصرة المسلمين، وهم ربما لا يعرفون أنهم ينفذون "أجندات" بعيدة عن الدين أو يشاركون في حروب بالوكالة.
ولكي لا تتكرر مأساة أفغانستان، لا بد من التعامل مع هؤلاء الشباب بحكمة وروية عند تطبيق الأمر السامي المذكور آنفاً. فمن الضروري منح هؤلاء الشباب مهلة شهرين أو ثلاثة للعودة للوطن. ولا بد من دراسة أوضاع هؤلاء الشباب الوظيفية والاجتماعية والاقتصادية من أجل التعامل معهم بما يضمن إدماجهم في المجتمع وحصولهم على أعمال تكفل لهم الحياة الكريمة، ثم الحذر من أن تكون محاربة الإرهاب على حساب الحريات الفكرية.
المنطقة العربية لا تحتاج إلى مزيد من التوتر، فقد أصبحت الأكثر توتراً في العالم، والأقل تسامحاً من الناحية الدينية، والأكثر ترشيحاً للانقسامات والتفكك، ما أدى إلى تدهور مشاريع التنمية وتعثر حركة البحث العلمي. ومن المؤسف ألا نرى نوراً "مؤكدا" في نهاية النفق، ولا يبدو أنها على استعداد للخروج من مأزق الحروب الطائفية التي تمزق الأوطان وتشرد الأبرياء، ما يستدعي النظر في الأوضاع الجارية بموضوعية تامة، بعيداً عن العواطف والنظرة الضيقة، فمن الضروري العمل الجاد لتصحيح الخطاب الديني المتشنج والمتبادل بين الطوائف، والاعتراف بأن التعايش يتطلب الحوار والعقل، وليس المزيد من العنف والرصاص، فلا يمكن لفئة دينية محو الفئة الأخرى من الوجود، لذلك من الضروري التركيز على البعد الإنساني للدين الإسلامي الحنيف الذي يدعو للرأفة والرحمة، وكذلك العمل على إخماد بؤر الفتنة في العراق، وسورية، وفي شمال اليمن، وجنوب لبنان من خلال تعزيز الإصلاح السياسي وتشجيع الديمقراطية، وعقد مؤتمر دولي يتناول هذه القضايا ويقرب وجهات النظر، ويؤدي إلى حل الجيوش والقوات التابعة للأحزاب والطوائف، خاصة حزب الله في جنوب لبنان، وجيش الحوثيين في شمال اليمن، وجيش المهدي وغيره في العراق.
[email protected]
أضف تعليق