شبكة العلاقات الشخصيّة كانت وما زالت أحد المصادر التي نستخدمها من أجل تحقيق طموحاتنا وللحصول على الدعم. هنالك الكثير من العوائق النفسيّة والاجتماعيّة التي تقف حجر عثرة أمامنا لتدعيم شبكة العلاقات الخاصّة بنا التي لو تخطّيناها لمهّدنا الطريق أمامنا للنجاح.

ما الحاجة إلى شبكة المعارف؟ وما الفائدة منها؟ وهل كلّ فرد منا مُلزم بتطوير شبكة معارفه؟ راقبوا الأشخاص الناجحين في محيطكم وتابعوا مسيرتهم تجدون أنّ أغلبهم يتمتّعون بشبكة علاقات قويّة وواسعة، وتكفي محادثة هاتفيّة من طرفهم لفلان لتسهيل حالة علّان. طبعا قد تكون هنالك أسباب أخرى لنجاحهم لكن من شبه المستحيل أن تكون شبكة معارفهم ضيّقة. لشبكة العلاقات الكثير من الفوائد فهي تساعدنا بالحصول على أصدقاء جدد وبتعزيز مكانتنا الاجتماعية وبتعظيم فرصنا للعثور على وظيفة لائقة، وتساهم في توسيع دائرة الزبائن الخاصّة بمصلحتنا وبتلقّي استشارة مهنيّة ودعم معنويّ وتغذية مرتدّة. تساعدنا شبكة المعارف أيضا بالحصول على تأييد جماهيريّ لو فكّرنا الخوض في الانتخابات المحليّة أو النقابيّة أو غيرها وتساعدنا أيضا في تجنيد الأموال لمشروعنا وفي الحصول على معلومات هامّة لاتّخاذ قرارات أو الشروع في مبادرات.

ما قد يجهله البعض أنّ تدعيم شبكة العلاقات أو ما يسمى التشبيك (Networking) ليس حدثا عابرا نتعرّف من خلاله على أشخاص ولا أحداثا متكرّرة، وإنّما عمليّة متواصلة تتطلّب بذل جهد وطاقات ليست بالقليلة وتوجِب تغيير طريقة تفكير وتبنّي أسلوب جديد للتعامل مع الآخرين. من الجدير أيضا قوله أنّ الحاجة لتدعيم العلاقات الشخصيّة قد تختلف من شخص إلى شخص، فهنالك من وصلوا إلى اكتفاء ذاتيّ ولا رغبة لهم في تطوير علاقاتهم لأسباب شخصيّة.

ليس كلّ شخص نصادفه أو نتعامل معه نستطيع أن نعتبره "عنصرا" في شبكتنا، لأنّ هنالك أهميّة كبرى لوتيرة اللقاءات التي تتمّ بيننا، وأهميّة أخرى لتواجد التبادليّة بالعطاء بيننا وبينه. لا يعقل أن نعتبر فلانا "مرجعيّة" لنا إذا كنّا التقينا به لمرّة واحدة، أو إذا كنّا نلجأ له عند الحاجة فقط وإذا احتاجنا لا يجدنا. كلّنا نعرف أنّ العلاقة بين الأشخاص كالنبتة التي ينبغي الاعتناء بها لتنمو وتكبر وإلّا فستذبل وتندثر، والعلاقة التي تعتمد على استغلال طرف معيّن للطرف الأخر مصيرها الزوال.

تقاس قوّة الشبكة حسب تنوّع الفئات الموجودة بها، فالشبكة القويّة هي تلك التي تحتوي على معارف من طبقات اقتصاديّة متنوّعة ومن ديانات مختلفة ومن مجالات مهنيّة متعدّدة ومن بلدان ومناطق مختلفة. قد تكون هناك علاقات "قويّة" تعتمد على العائلة الواحدة أو على البلد الواحد أو فئة الجيل الواحد، ولكن ذلك لا يزيد الشبكة متانة لمحدوديّتها الجغرافيّة أو الجماهيريّة أو الاجتماعيّة. تشير الأبحاث التي قام بها (هيغن، 2001) عندما تكون شبكة العلاقات الخاصّة بالشخص واسعة كلّما عظمت فرص تغيير المهنة، لأنّ التنوّع بالشبكة يزيد من إمكانيات الوصول أو التعرّف على فرص عمل متعدّدة. أحد المعايير لقوّة الشبكة أيضا هو وجود تعارف بين العناصر المحسوبة على شبكتنا مما يسهّل عمليّة انسياب المعلومات ولظهور إمكانيّات تعاون فيما بيننا. هذا يتطلّب مجهودا بأن نقوم بتعريف معارفنا على بعضهم البعض.

صحيح أنّ "وتيرة" العلاقات "وتنوّعها" واحتوائها لعنصر "التبادليّة" تزيد من قوّتها ومن قدرتنا على الاعتماد عليها، لكن هذا لا يعني أنّ العلاقات "الضعيفة" غير هامّة لأنّها تشكّل معا جسرا للوصول إلى أماكن وأشخاص آخرين بغرض نيل المعلومات والخبرات، وهنالك إمكانيّة دائما لتقويّتها والاستعانة بها كنقطة انطلاق لعلاقة أقوى. الانطواء والانزواء والاكتفاء بعلاقات داخل العائلة أو مكان العمل غير كافين لمن يريد تحسين ظروفه والوصول إلى قمم جديدة.

إذا كانت شبكتنا صغيرة أو ضيّقة علينا البدء في ارتياد حلبات جديدة نستطيع من خلالها التعرّف على أشخاص جدد فهنالك المناسبات الاجتماعيّة والندوات الثقافيّة والمؤتمرات والنشاطات الاجتماعيّة والفنيّة والرياضيّة التي بإمكاننا المشاركة بها. إذا كانت شبكتنا ضعيفة أو مهترئة فعلينا تقويتها عن طريق زيادة وتيرة اللقاءات مع من نعرفهم وأن نسأل أنفسنا دائما "ما الذي نحضره" إلى هذه العلاقة. هذا الأمر يتطلّب منا الانفتاح على العالم والثقة بالآخرين. لا يجوز أن نقيم علاقات وطيدة مع أناس دون أن يتواجد عنصر الثقة المتبادلة. لا تقم علاقة مع شخص لا تثق به لأنّ مردودها قد يكون سلبيّا.

لو جلست في محضر معيّن أو تواجدت في مناسبة اجتماعيّة أو مؤتمر اقتصاديّ لا تنزوي مع أصدقائك أو أقاربك أو أهل بلدك أو سكان منطقتك، وحأول التواجد مع أشخاص متنوّعين أو يختلفون عنك حتى لو كان ذلك مقرونا بإحراج بسيط. العلاقات ذات البعد الواحد تصبح مع الوقت مفهومة ضمنا وغير قابلة للتطوّر. نلاحظ في أغلبيّة لقاءاتنا الاجتماعيّة انفصال الرجال عن النساء، والصغار عن الكبار وفي أعراسنا نجلس مع أفراد عائلاتنا.

من المهمّ جدّا أن تلائم شبكة علاقاتنا الأهداف التي نسعى للوصول إليها ومن المستحسن أن نفحص مداها وعمقها وتعزيزها وتحويلها إلى شبكة ناجعة. صحيح أنّ ذلك مقرون بدفع ثمن معيّن، لكنّ الاستثمار بذلك مجدٍ للأمد البعيد. علينا ألّا ننتظر مقابل فوريّ ممن يتواجد في الشبكة وألّا نعمل حسابات "صغيرة" ونقارن عطاءهم بعطائنا. في بلد تشحّ به المصادر والموارد الماليّة وتعاني به الناس من ضيق العيش كبلدنا قد تكون الحاجة إلى شبكة العلاقات ملحّة جدّا لأنّها تشكل مصدرا ذاتيّا هامّا نستعين به لتحسين ظروفنا. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]