كبار المسؤولين الأردنيين الذين حضروا "الجانب الأكبر" من لقاء الملك عبدالله الثاني مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، خرجوا بانطباع أن الأخير يشعر بأن الإدارة الأميركية جادة هذه المرة في سعيها للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، وأن هامش "المراوغة" محدود للغاية. ولهذا، حرص نتنياهو خلال اللقاء على تأكيد "جدية" حكومته في البحث عن فرصة حقيقية للسلام.

زيارة نتنياهو كانت مفاجئة لوسائل الإعلام، لكنها ليست كذلك للمسؤولين في حلقة القرار الضيقة؛ فهي مقررة منذ عدة أيام، ولا صلة بينها وبين زيارة وزير الخارجية الإيراني لعمان، حسب ما يؤكد مصدر دبلوماسي.

بالنسبة للأردن، لم يحن بعد وقت امتحان نوايا نتنياهو. متعهد عملية السلام الجديد، وزير الخارجية الأميركي جون كيري، لم يكشف أوراقه بعد؛ ومهلة تنفيذ العطاء لم تنته أيضا، وما يزال في مرحلة "الاستقصاء" على حد تعبير مسؤول أردني كبير، حضر لقاءات الملك الأخيرة مع كيري ومحمود عباس ونتنياهو.

نتنياهو لم يطلب في زيارته الأخيرة شيئا محددا من الأردن. المناقشات دارت حول العناوين ولم تدخل إلى التفاصيل. واستمع من الملك لنفس المواقف التي يؤكدها جلالته أمام ضيوفه الفلسطينيين والأميركيين، والمتعلقة بقضايا اللاجئين والقدس والحدود.

ومع نتنياهو كان الملك أكثر وضوحا في رفض أي دعوات لدور أردني في الضفة الغربية؛ "الخيار الأردني" أو الوطن البديل، وأي ترتيبات أمنية تمس بالسيادة الأردنية، أو بحقوق الفلسطينيين في قضية الحدود مع الأردن.

وأعاد التذكير بقواعد الحل العادل، والتزام الأردن بالمبادرة العربية للسلام، وبالانسحاب إلى حدود الـ67، والقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية.

ما يزال الأردن يتمسك بموقفه الرافض الجلوس على طاولة المفاوضات. لكن، وبحكم المصالح المباشرة في قضايا الحل النهائي، لا يمكنه أن يظل بعيدا عن المفاوضات والمشاورات الجارية. ويتعين عليه أن يكون في حالة اشتباك مستمر مع أطراف الصراع، بما فيهم إسرائيل.

وبينما يسود قلق واسع في أوساط النخب الأردنية من أفكار متداولة لتسوية قضايا الحل النهائي، لم تهتز ثقة المحيطين بالملك بقدرة الأردن على حماية مصالحه. ولم ينتَبْهم شعور بأن الإدارة الأميركية ستجازف بخطة للحل على حساب الأردن.

كيري، وعلى ما يؤكد أكثر من مسؤول، ملتزم بالفترة الزمنية التي حددها لعرض اتفاقية إطار للمفاوضات. لكنه، وحتى الآن، لم يقدم شيئا يمكن قبوله أو رفضه.

يقر المسؤولون أن كيري لم يعِد الجانب الأردني بإطلاعه على ملامح "الإطار" قبل إعلانه رسميا. لكنهم على قناعة تامة بأن ما من طرف "ينوي إحراج الأردن"، أو تعريض مصالحه الوطنية العليا للتهديد.

تاريخ علاقة الأردن مع نتنياهو لم يكن سوى سلسلة من الشكوك وعدم الثقة. ففي كل المحطات السابقة، كان نتنياهو حريصا على ترك أثر مخيب عند الأردن وكل الأطراف الدولية.

نتنياهو لم يتغير بالطبع. لكن الظروف تغيرت، والأحداث في المنطقة تفرض، من وجهة البعض، الحاجة إلى تسوية النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي. ويلحظ الجانب الأردني أنه، وللمرة الأولى في تاريخ النزاع، تقود إدارة أميركية الجهود الدبلوماسية لمناقشة قضايا النزاع الرئيسة، وتقديم تصور لحلها.

الأيام والأسابيع القليلة المقبلة ستشهد حركة دبلوماسية نشطة. سيعود كيري إلى المنطقة من جديد، وسنتابع لقاءات في كل عواصم المنطقة. عمان ستكون وجهة مهمة لساسة عرب وأجانب، وربما يزورها نتنياهو مرة أخرى. بيد أن ذلك كله ليس كافيا للقول إن فرصة حقيقية للسلام تلوح في الأفق.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]