الانطباع الاول هو الخطوة الاولى في رحلتنا لنيل موافقة او تأييد من نتوق الى ودهم او العمل معهم, لكن الصورة النهائية التي يكوّنها الآخرون عنّا تتعلّق بمجمل الانطباعات التي نترُكها من خلال اللقاء الثاني والثالث والعاشر.. واذا لم ننجح بالحفاظ على منهجية معينة فسرعان ما "ينفضح امرنا" ونخسر ما عملنا جاهدين للحصول عليه
الانطباع الاول هو الصورة الأوّلى التي نحفظها في اذهاننا حول شخصٍ ما بعدما التقينا به لأول مره. قد يكون هذا اللقاء بغرض التعارف, او بخصوص القبول للعمل, او لقاء عاطفي (بلاينديت) او لقاء لإبرام صفقه او اي لقاء عادي يحصل في المناسبات الاجتماعية الكثيرة التي نشارك بها. تثبت الابحاث بأن للانطباع الاول الاثر الاكبر على الموقف الذي نكوّنه لاحقا على الشخص الذي التقينا به. بعبارة اخرى, ان تقييمنا للشخص الذي نقابله او المكان الذي نزوره او الحدث الذي نشارك به يعتمد على الانطباع الاول الذي اتخذناه في الدقائق الاولى من اللقاء, وهنالك من يقول في الثواني العشر الاولى. وتثبت التجارب ايضا ان اغلبية الناس التي اخذت موقفا معينا تجاه آخرين عقب الانطباع الاول لم تستطِع تغييره في وقت لاحق مهما جرت من محاولات لتغيير ذلك الانطباع ومهما قُدّمت لها من ادلة وبراهين مُعاكسة. على ما يبدو انه بعد ان أخذنا موقفا من الانطباع الاول نحاول تعزيزه ودعمه ويصعب علينا بعد ذلك التنازل عنه, بل نروح نبحث بإصرار عن ادلة اخرى لنؤكّد لأنفسنا باننا اتخذنا الانطباع الصائب.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا, اذا كانت اهمية الانطباع الأوّل بالغة الى ذلك الحد فلماذا لا نعمل لتحسين فرصه عندما نلتقي لأول مرة بمن يهمّنا امرهم؟ او بمن نحن بحاجة للحصول على موافقتهم وتأييدهم؟ قد يجيب البعض على هذا السؤال بأنه لا حاجة للقيام بذلك لأنه في نهاية الامر ستكتشف الناس حقيقتنا وتُزيل "القناع" الذي وضعناه, ولذا فلا حاجة لصرف اي جهد في تحسين الانطباع الاول. المشكلة هي انه لا توجد فرصة ثانية للانطباع الاول, ولكي نغيّر الانطباع الاول فنحن بحاجة الى بذل جهد يعادل عشرة اضعاف الجهد الذي كان علينا بذله في اللقاء الاوّل, وخاصة اذا كان موقف الطرف الآخر او قراره يهمّنا, كأن نُقبل الى وظيفة َحلِمنا بها منذ سنين او عريس تطابقت مزاياه مع فارس احلامنا او الفوز بصفقة رابحة بإمكانها ان تدر علينا دخلاً عظيما. هل يُعقل ان نتأخر عن لقاء عمل هام للمصلحة التي نديرها؟ او نجيب على محادثة هاتفية خلال المقابلة؟ او ان نبدي عدم رغبة في مباشرة العمل؟ او نُدلي بعبارات امام مشغّلينا بأننا اخترنا هذه الوظيفة لأنها الوحيدة القريبة من مكان سكنانا؟ هل يُعقل ان نقوم خلال مقابلتنا الاولى لشاب ابدينا اعجابنا به وطمحنا بعلاقة عاطفية معه بإرسال رسائل نصية للآخرين في حضرته او البوح له بقصص حب خائبة كانت لنا مع آخرين او القيام بالغزل المبطّن مع نادل المطعم؟ وهل يُعقل ان نذهب لإبرام صفقة عمل دون ان نهيّئ انفسنا لهذه المهمة؟
ان الاهتمام بترك انطباع اولي جيد لدى الآخرين لا يعني بالمرة ان نتظاهر بما نحن بعيدون عنه, او ننقل صورة مزيّفة حولنا للطرف الآخر او نتقمّص شخصية اخرى بغرض نيل اعجاب الآخرين, او ان نخرج من طورنا لإثبات قدراتنا واظهار "مفاتننا", وانما علينا تجنّب ابراز امور قد يفسّرها الطرف الآخر بشكل خاطئ فيعود ذلك علينا بالخسارة او بتفويت الفرصة. ينبغي الاّ ننسى أن الانطباع الاول غير كاف لبلورة فكرة ايجابية متكاملة حولنا. الانطباع الاول الايجابي هو تأشيرة دخول فقط الى عالم الاختيارات الواقفة امام الشخص الذي نلتقي به, وعلينا ان نثبت لاحقا اننا نملك نفس المزايا والقدرات التي اظهرناها في لقائنا الاول. الانطباع الاول هو الخطوة الاولى في رحلة "تسويق انفسنا" لدى من نبغي الحصول على موافقتهم او تأييدهم لكن الصورة النهائية التي يبلورها الآخرون عنّا تتعلّق بمجمل الانطباعات التي نتركها خلال اللقاء الثاني والثالث والعاشر.. واذا لم ننجح بالحفاظ على منهجية معينة بتصرفاتنا وسلوكياتنا فسرعان ما "ينفضح" امرنا ونخسر ما عملنا جاهدين للحصول عليه, فقد ننجح في الحصول على الوظيفة المرموقة لكن سرعان ما يتبين لمشغّلينا بأن قدراتنا الادارية او القيادية اقل بكثير من تلك التي ابرزناها في مقابلة القبول للعمل, وأنّ الفتاة التي قابلناها لأول مرة وطِرنا فرحا من حسنها وجمالها وتألقها ودماثة خلقها ليست تلك الفتاة التي قابلناها في المرة الثانية او الثالثة, لذا فالانطباع الأوّل لم ولن يكون بديلا للانطباع العام.
واذا تطرّقنا للأمر من الجانب الآخر, علينا ان نولي الانطباع الاول قيمة محدودة وليست مطلقه, وان نراعي الا نكون مجحفين او متسرعين عندما نأخذ موقفا واضحا من الآخرين استنادا على الانطباع الاول, وعلينا ان نعطيهم فرصاً اخرى دون التمسّك والانحياز للصورة الأوّلى التي رسمناها. وهنا اريد ان اطلع قرائي الكرام على انطباع يسبق الانطباع الأوّل وهو الانطباع الذي نكوّنه حول اشخاص لم نلتقِ بهم بالمرّة ولكننا نعرفهم لكونهم ابناء حارتنا او بلدتنا او شعبنا, وقد يكون ذلك "كافيا" لبعضنا للقيام بتقييمهم وتصنيفهم واتخاذ موقف جارف بصددهم واحيانا لا نتوانى عن اتهامهم بشتى التهم الوهمية دون ان نكون قد التقينا بهم ولو لمرة واحده. فهذا ننعته بالتكبّر وذلك بالفساد وآخر بالعمالة وآخر بالعنف دون ان يسبق ذلك اي احتكاك او تعارف معهم.
باختصار, علينا من ناحيه ان نعي جيدا اهمية الانطباع الأوّل الذي نتركه على موقف الناس تجاهنا والقرارات التي يأخذونها بصددنا, لكن من الناحية الاخرى علينا ان نكون عادلين ومتفهّمين وان نعطي الآخرين فرصا عديده قبل ان نبلور موقفا متكاملا حولهم من لقاء واحد!
[email protected]
أضف تعليق