"يمكننا أن نلخّص ونقول: لقد اهتزت الأرض في أحداث أكتوبر 2000". بهذه الكلمات يبدأ التقرير إستنتاجات لجنة أور، الذي نُشر قبل 10 سنوات بالتحديد. وكان الهدف من وراء تشكيل اللجنة التوصّل لأسباب المواجهات العنيفة التي جرت بين الشرطة والمواطنين العرب في شهر أكتوبر سنة 2000 والتي قُتل فيها 13 شاباً عربياً على يد الشرطة بالإضافة لمواطن يهوديّ واحد، قُتل نتيجة حجر أُلقي على شارع الساحل. هذه المواجهات، كانت الأعنف والأشدّ منذ إنشاء إسرائيل، بين السلطة والمواطنين العرب.

وقد أقرّت اللجنة بما لا يدع الشكّ أنّ "المواطنين العرب يعيشون واقعاً يتمّ فيه التمييز ضدّهم كعرب" وأنّ "من واجب الدولة العمل على إزالة وصمة التمييز هذه ضد مواطنيها العرب، بمختلف أشكالها وتجلّياتها". ثمة أهمية بالغة لمثل هذه الأقوال الواضحة الصادرة عن لجنة حكومية والتي لا تكتفي بتوجيه الإصبع نحو التمييز بل تقوم بشجبه واستنكاره. الآن وبعد مرور 10 سنوات، هل أُزيلت الوصمة؟ وهل على الأقل تمّ تقليصها؟ وهل حاولت الدولة أصلاً، إزالتها؟ بالاستناد إلى متابعة حثيثة للسياسات الحكومية تجاه المواطنين العرب، لا مفرّ من الإستنتاج القاضي بأنّ الحكومة تفعل فيما يتعلّق بتطبيق توصيات لجنة أور، الشيء وعكسه، وكأنها أصيبت بانفصام الشخصية.

لجنة أور، وجدت أن الأحداث كانت ناتجة عن عوامل عميقة وجوهرية، منها التمييز البنيويّ المنهجيّ ضد المواطنين العرب.

كما أقرّت بشكل واضح تماماً أنّ " الدولة لم تقم بما يكفي من أجل منح مواطنيها العرب حقّ المساواة وإزالة مظاهر التمييز والغبن"، كذلك أوصت وبوضوح بأن يكون "هدف الدولة الأساسيّ من خلال عملها، تحقيق المساواة الحقيقية لمواطنيها العرب".

لقد تعمّقت اللجنة كثيراً وأقرّت بأنّ تصحيح عدم المساواة لا يمكن تنفيذه فقط عبر التفضيل المصحّح من حيث توزيع الميزانيات الجديدة، إنّما بإتّباع التالي: "حيثما لا تتيح المعيقات داخل الميزانية زيادة الميزانية لمن لحقه الغبن في السابق، يجب العمل على إعادة توزيع الموارد القائمة بحيث يتمّ ذلك بطريقة متساوية".

تخطّت اللجنة حدوداً ما، وأقرّت أيضاً بوضوح تامّ، أن المساواة يجب أن تطال المجال الحسّاس وهو تخصيص الأراضي. لا شكّ بأنّها قرارات وتوصيات هامة تثير الإعجاب، لكن هل تمّ تطبيقها؟

بمجال الموارد المادية وبمسألة تقليص التمييز من حيث توزيع الميزانيات، خطت الحكومة بعض الخطوات الهامة، وكما يبدو أدرك العديد من موظّفي الحكم أنّ التمييز هو حقاً وصمة. إنني أتفاجأ كلّ مرّة من جديد، حين ألتقي موظفين لا يعترفون فقط بوجود سياسة عدم المساواة، بل يعملون على زيادة الموارد المحوّلة للبلدات العربية بغية سدّ الفجوات ما بينها وبين البلدات اليهودية. كما أن الحكومة الإسرائيلية تفعّل عدداً من الوسائل السياسية لتطوير مجالات شغل المواطنين العرب، منها الوسيلة باهظة الثمن بالغة التأثير وهي تقديم الإعانة في الأجور لكلّ من يشغّل عرباً من مختلف القطاعات. تجدر الإشارة هنا إلى إقامة سلطة التطوير الاقتصادي في المجتمع العربيّ، بمكتب رئيس الوزراء، وإلى كونها تعمل بجهد حثيث منذ سنوات وتحقق النجاح عبر برامج تسعى لتحسين واقع المواطنين العرب. لا أنوي هنا تجميل الواقع، فإسرائيل دولة يسودها عدم مساواة حادّ عميق وبنيويّ ما بين اليهود والعرب، كنتيجة مباشرة لسياسات التمييز المستمرة حتى الآن. لكن وفي حالة توسيع الخطوات الإيجابية قد يطرأ تغيير هام على واقع المواطنين العرب اجتماعياً واقتصادياً، وكذلك سيكون بإمكاننا التقدّم إلى الأمام في تطبيق توصيات لجنة أور. (كنت قد كتبت بتوسّع، عن الإتجاهات الإيجابية وتأثيرها على مجريات الأمور، بما فيها زيادة قوة الجهات العاملة ضد المواطنين العرب، في المقال التالي: "هل من فرصة للمساواة؟").

إذاً أين الإنفصام في الشخصية؟ لم تتطرّق لجنة أور فقط للتمييز الماديّ، بل أيضاً لضرورة الإعتراف بمكانة المواطنين العرب الخاصة لكونهم أقلية أصلانية في البلاد. ووفق ذلك، قرّرت أنّ "على الأغلبية اليهودية إحترام هوية المواطنين العرب مع احترام ثقافتهم ولغتهم." ، "على السلطات الحاكمة إيجاد السبل التي تتيح للمواطنين العرب التعبير، من خلال الحياة العامّة، عن ثقافتهم وهويتهم بالطريقة المناسبة والمحترمة".

وكذلك أنّه "لربما قد حان الوقت لأن تعكس الحياة العامّة القاسم المشترك بين جميع السكّان، عن طريق إضافة المناسبات والرموز الرسمية التي بإمكان كافة المواطنين التماثل معها." تُعتبر هذه القرارات غاية في الأهمية وكذلك سابقة، خاصة وأنها تأتي ضمن وثيقة رسمية صادرة عن لجنة حكومية.

إلاّ أنّه وفي هذا الجانب، ليس فقط لم يتمّ إحراز أي تقدّم بل العكس، تعاظم بالسنوات الأخيرة إتجاه سياسيّ خطير: ثمة أطرافاً في اليمين المتطرّف وفي الإئتلاف الحكوميّ وحتى في الحزب الحاكم تدير حملات سياسية معادية لحقوق المواطنين العرب.

وكل صباح ومساء، نسمع عن مشاريع قوانين تعادي المواطنين العرب، فيما ينجح قسم منها بالحصول على دعم الحكومة.

قوانين عديدة تعجّ بالتمييز ومنها ما تمّت المصادقة عليه. يسعى قسم من هذه القوانين لتقليص الحقوق الشخصية/الاقتصادية كما مشروع القانون "المساهمون في الدولة" الذي اجتاز القراءة التمهيدية ويمرّ حالياً بمراحل التشريع الأخرى، التي نرجو لها الفشل. الحديث هنا هو عن قانون يعطي شرعية قانونية للتمييز ضد المواطنين العرب في قبولهم للعمل.

وفيما يتعلّق بإستنتاجات لجنة أور، نرى أنّ المثال الأكثر سطوعاً للتدهور الحاصل بمجال إحترام الهوية يطال حقّ المواطنين العرب بإحياء ذكرى نكبتهم.

لقد أقرّت اللجنة وفي مستهلّ تقريرها ما يلي: "إنّ قيام دولة إسرائيل الذي احتفل به الشعب اليهوديّ تحقيقاً لحلم أجيال طويلة، مرتبط في ذاكرتهم التاريخية بأقسى الصدمات الجماعية التي عرفوها عبر التاريخ، إنها "النكبة".

ثمّ أشارت وبوضوح تامّ، في نهاية التقرير إلى أنّ "الأحداث التي حوّلت العرب إلى أقلية داخل الدولة كانت بالنسبة لهم كارثة قومية وطنية".

في المقابل، ماذا فعلت الحكومة؟ مرّرت خلال الكنيست السابقة "قانون النكبة"– إنّه أحد القوانين الأكثر هوساً ومدعاة للخجل في تاريخ التشريعات، إنّه يعطي وزير المالية صلاحية تخفيض قيمة الميزانية الحكومية المعطاة لهيئة عامّة تحيي ذكرى قيام دولة إسرائيل كيوم حداد. هذا يعني، أنه إذا أرادت سلطة محلية عربية إحياء يوم الإستقلال من خلال قراءة ودراسة تقرير لجنة أور (وهو نشاط تربويّ جدير بالاحترام) عليها الحرص وبشدة، على عدم قراءة الجملة المقتبسة أعلاه من ضمن التقرير، والتي تربط ما بين إقامة الدولة والنكبة. وذلك كي لا يصل الأمر لمسامع وزير المالية ويقوم بتقليص ميزانيتها...

(لا بدّ من التنويه هنا لحقيقة أنّه يُسمح للسلطات المحلية اليهودية باستعمال ميزانياتها بغية إحياء كوارث وصدمات وطنية تخصّ الشعب اليهوديّ). وهل من مثال أفضل من هذا، يعكس تراجع الحكومة عن توصيات لجنة أور فيما يتعلّق بإحترام هوية المواطنين العرب؟

وهكذا، نرى يداً واحدة للحكومة تطبّق توصيات اللجنة وتعمل على تقليص الفجوات، بينما تقوم الثانية بالترويج وشرعنة القوانين التي تمسّ المواطنين العرب. رئيس الحكومة نفسه، يدعم من جهة، الخطوات والإجراءات الاقتصادية لكنه من الجهة الأخرى، يأتلف مع ليبرمان الذي أعدّ حملة سياسية كاملة تهاجم المواطنين العرب وحقوقهم.

إنّ تأثير اليمين المتطرّف على الحكومة يضرّ بجهودها التي تبذلها من أجل تحسين العلاقات ما بين المواطنين اليهود والعرب. أخيراً، ومع مرور 10 سنوات على إعلان إستنتاجات لجنة أور، قد آن الأوان لأن تطبّق الحكومة الإسرائيلية هذه الإستنتاجات التي تزداد صدقية يوماً بعد يوم. أولى الخطوات المطلوبة هي تعزيز الأفعال الساعية لتقليص الفجوات بشكل حاسم والإيقاف الفوريّ لكافة إجراءات التشريع المميّز وكذلك إلغاء قانون النكبة.

* الكاتب هو مدير مشارك لسيكوي، الجمعية من أجل المساواة المدنية. 

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]