إذا كان توقيع إيران مع الغرب اتفاقية حول النووي الايراني هو انتصار لإيران؛ فإننا في قراءتنا للمراحل السابقة، والتي كانت نهايتها مرحلة رئاسة السيد أحمدي نجاد وسياق تصريحاته التهديدية للغرب، فإننا أمام قراءتين:
الأولى: أنها كانت مرحلة اضطر خلالها النظام ارضاء الراديكاليين المتشددين، والذين يعيشون في واقع افتراضي يؤمن بفكرة بعثة المهدي، وانه يعيش في نهاية التاريخ ولا يمكن لهذا النظام ان ينهار، ومن هنا فهي تؤمن بالحماية الإلهية.
لكنها في الجانب الآخر كانت هذه المواقف والتصريحات من مرشد الثورة الإمام علي خامنئي، والرئيس احمدي نجاد توفر لإسرائيل أجواءً مريحة في الاعلام الغربي والوسط الدبلوماسي الغربي، حيث كانت هذه التصريحات تعزز الفكرة الغربية بأن إيران دولة مارقة وخارجة على القانون الدولي ومتنكرة لعذابات الشعب اليهودي، وبالتالي فإنها تعد القدرة النووية لإبادة الشعب اليهودي مرة أخرى، ومن هنا فليس هناك ضرورة لجهد اسرائيلي كبير لإقناع الغرب بمنع إيران من أن تصبح "دولة الحافة" في امتلاكها للقدرة النووية.
القراءة الثانية قد تقودنا إلى الفهم أنه لولا هذه المرحلة الطويلة من رفع سقف الطلب الايراني لما تكللت هذه المراحل بهذا الاتفاق، ولما قبل الغرب المنهك من الحروب بهذه النتيجة، ولما اقتنع الغرب بأن ما تجره اليه اسرائيل هو حرب بالوكالة لصالح دولة غير متفاهمة مع جيرانها، فعندما كان أحمدي نجاد يتحدث باستخفاف عن الهولوكوست إنما كان يلامس قلوب السياسيين الغربيين، ويتحدث جهاراً نهاراً بما لا يستطيعون التنفيس عنه بالليل، كانت هذه التصريحات تذكر الغرب بأن ما تقومون به من حماية اسرائيل إنما هو تعبير عن وخز ضميركم تجاه تاريخكم الأسود تجاههم، ونحن الإيرانيون أو حتى الفرس لسنا مضطرين أن نشارككم هذا التكفير عن الجريمة التاريخية.
القراءة الثانية كانت خطيرة، وكانت إيران تسير فيه علي خيط دقيق كان من الممكن أي خطأ بسيط لمسؤول ايراني أن يقلب الطاولة، ويؤدي في لحظة ما الى توجيه ضربة مميتة لإيران تعيدها مئات السنين الى الوراء، لكن دولة بكامل منظومتها، كانت تسير على الحافة وكانت تتراجع عند اختلال الخيوط ابتلعت الكثير من الاجحاف ضدها من حصار وقتل علماء ومن إسقاط طائرات مدنية لها في عرض البحر خلال تاريخ أزمتها مع الغرب دون ان تحيد عن هدفها، لم تتعامل مع الغرب بمنطق الثأر، بل بمنطق سباق السلحفاء مع الأرنب فائق السرعة والذي يقفز حولها من كل الجهات، وهي تسير في اتجاه واحد، سيراً على الحافة التي يبتعد عنها الغرب.
لكن الدولة التي كانت تسعى للوصول للحافة النووية تدرك أن مرحلة الحافة تتطلب القدرة على الوقوف هناك على الحافة، وأن الوقوف على حافة النووي يتطلب تدريب لمسيرة الدولة بكامل منظومتها على المسير على الحافة عشرون عاماً قبل ذلك خلال مفاوضات وتهديدات وتراجع أحياناً بعض الخطوات.
[email protected]
أضف تعليق