العيد كلمة مبهجة تدخل إلى النفس السرور والإحساس بالفرح لمجرد ذكرها , لكن هل مازالت هذه الكلمة تمتلك السحر والقدرة على دفع هذا الإحساس إلى النفس ؟ , كما كانت هذه الكلمة تعطي إيحاء مباشر بالتواد والتراحم والتزاور وإفشاء حالة من التواصل الاجتماعي فهل هذا أيضا موجود بمعناه الواسع والحقيقي ؟.

لاحظت في التهاني المتبادلة لهذا العام غياب كامل لذكر أهلنا من فلسطين المحتلة عام 48 والذين كانوا ولا يزالوا يشكلوا جزء هام من وعينا الوطني والثقافي فهل لهذا مدلول اجتماعي أو وطني وهل يؤشر ذلك إلى معنى ما أم أنها نتيجة طبيعية و هل نحن نشهد حالة من التمدد لرقعة الانقسام الفلسطيني ونشهد نضوج ثقافة يحملها جيل جديد نشأ في ظل وضع مشوه لهذا الوطن ؟ .

نحن جيل الوسط من الشباب تربينا في مدارسنا وبيوتنا على ذكر فلسطين كل فلسطين التي كانت تروى لنا ونتلقفها من شفاه آبائنا ومدرسينا فكانوا يرون لنا عن الضفة والجليل المثلث وعارة ونابلس وعرعرة والخليل واللد والرملة كانوا يحكون لنا حكاوي قرانا والقشعريرة التي كانت تصيب كل منهم عندما يزور أطلال منازلهم المهدمة والتي أصبحت عين بعد اثر وأصبحت القرى حقول أو مدن لا يوجد فيها إلا ركام منزل قديم يقف شامخ يتحدى فعل الإنسان والطبيعة أو بقايا قلعة أو مسجد أو مقام لأحد الصالحين وتسري في عروقنا تلك الرعشة واللهفة وكأنها عدوة أصابتنا منهم مريض بحب الوطن .

اليوم لم يعد يحكى في مساجدنا ومدارسنا وبيوتنا إلا حديث الانقسام وآثاره ولم يعد يشغل بال آبائنا إلا لقمة العيش وضنك الحياة فهل سيستطيع أن يشعر أبنائنا بتلك الرعشة وبذاك الحنين فكيف سيذكر أهلنا في فلسطين 48 ؟؟ .

إذا أصبح لدينا حكومتان وتفكير مختلف ووعي متناقض وإذا أصبحنا ننسى بأننا شعب محتل وإذا كان شاغل إعلامنا التبرير للمنقسمين وإذا كان هم خطبائنا الترويج لأفكار الحاكم والدفاع عن زلاته وأخطائه فكيف سنذكر أن لنا أرحام تفصلنا عنهم جدران الاحتلال وأسلاكه الشائكة ؟؟ .

لسان حال الناس في شوارع المخيم في أزقة غزة في كل وجه رايته مع كل صديق حدثته أيام العيد عبر عنها الشاعر المتنبي عيد بأية حال عدت يا عيد حالة من الإحباط واليأس ارتسمت على معظم الوجوه والشكوى كانت مع كل لقاء ترى ما هي الدوافع الحقيقية لهذا التذمر وهذه الشكوى ؟؟.

هل هو الوضع الاقتصادي الذي لمسناه من التراجع الملحوظ في عدد الأضاحي والمضحين لهذا العام أم هي عدم قدرة الناس على الإيفاء بالتزاماتها أو حتى التواصل مع أحبتها وأرحامها أم هي حالة التيه وغياب الرؤية لدى الناس التي أصبحت تشعر وكأنها تعيش في المجهول فلا حاضر مبشر ولا غدا مأمول ؟؟ ؟.

نحتاج إلى وقفة حقيقية مع الذات لتقييم الحال الذي وصل إليه شعبنا ومن هو المسئول عن حالة اليأس والإحباط التي وصل إليها دون ان يكون مشجب الاحتلال حاضر في التقييم ولا نعفي الاحتلال من مسئولياته لكن الانقسام أيضا حاضر وبقوة وغياب التخطيط الاستراتيجي حاضر وإهدار مقدرات الوطن حاضر وتحكم الكبار برقاب الصغار حاضر والاتهام بالانتماء لجزء من الوطن حاضر و عندما أصبح لدينا مسئول يجلس في سيارته مغلقة الزجاج ينظر من خلفه إلى المارة وكأنهم من عالم آخر وعندما أصبح المواطن لا يستطيع التعبير عن مشكلاته ومعاناته إلا من خلال صرخات ومناشدات يطلقها عبر وسائل الإعلام وعندما أصحبت لقمة العيش وسيلة عقابية وعندما أصبح تصنيف الناس في الوطن هو السائد وعندما وعندما .... فالنتيجة الحتمية أن العيد سيعود دون أن يحمل أي من معانيه .

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]