وضعتنا الدراسة الصادرة عن طاقم شؤون المرأة أمام انعكاس صورة الأطر النسائية في المرآة، فصفحات البحث تظهر بوضوح أزمتها باعتبارها العامود الفقري للحركة النسائية الفلسطينية. حيث عبّر البحث عن أزمة بنيوية في الأداة التنظيمية للأطر وعلى صعيد البرنامج، كما أظهر ارتباك العلاقة العضوية مع الحزب السياسي.

تكمن أهمية البحث الذي وصّف الحالة مبتعداً عن وضع القراءة التحليلية للمسار، في كونه قد جاء على لسان صنّاع التجربة وصاحبات البيت النسوي، ابتداءً من قمة الهرم وصولا إلى قاعدته، بعد أن مرّ كذلك على قيادات من الأحزاب السياسية، مما جعلنا أمام شهادات تسجيلية تستحق القراءة المدققة، ربما لأنها قد تفتح ايجابا على المشهد المستقبلي، لجهة صنع صورة مغايرة وقلب الصفحة عن الحديث المكرور.. أو استمرار انغلاق المشهد على الضمور والانكفاء على الذات، واستمرار العزوف النسائي عن الانتظام وهو الأمر المشار إليها في البحث.

لقد أشار البحث إلى المياه التي جرت تحت جسور الأطر النسوية منذ "أوسلو"، حيث تركت الاتفاقية آثارا عميقة على جماهيرية الأطر النسوية، وأضعف قدرتها على استقطاب النساء إلى العضوية، ما جعلها واجهات حزبية غير قادرة على تنفيذ برنامجها النظري، فاعترى أنشطتها الرتابة والتكرار والتأخر في التقاط الرسائل والمتطلبات الوطنية والاجتماعية والاقتصادية.

وفي الأصل، لا بد من إعادة التذكير بأثر الاتفاق على الأحزاب السياسية، وانعكاسه الاوتوماتيكي على روافدها النسوية، حيث أفقدت الاتفاقية واستنساخاتها القدرة على التأثير ورسم معالم الصورة العامة للمجتمع لصالح البنى الجديدة المتشكلة بموجب الاتفاقية، وهو الأمر الذي أبقى الأحزاب وأطرها موجودة فحسب، وذلك لعدم قدرتها على تجديد ذاتها وفعاليتها في استقطاب الجمهور للعضوية بما يجعلها معادلا رقميا كبيرا لا يتم التجاوز عنه.

لقد ارتبط تشكيل الأطر النسائية بصيغة وطنية تحمل علامات ومؤشرات التغيير والعطاء النضالي، وارتبطت تجربتها بحركة التغيير على كافة الصعد، حيث ارتبطت التجربة واختبرت السياق الفلسطيني الوطني وشاركت في الفعل النضالي على مدار الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي منذ بدايات القرن الماضي. وبعد عام 1993، غلَّبت الأطر النسوية العمل الاجتماعي وهمشت وغيّبت الأنشطة الوطنية بمواجهة الاحتلال. وأدى بها الضعف البنيوي إلى استبدال تنظيم النساء وقيادتهن للدفاع عن مصالحهن، إلى النضال الفوقي بالنيابة عنهن للحصول على المكتسبات. ومن هنا، افتقدت الأطر مصداقيتها وثقة القاعدة بقدرتها على تحقيق الأهداف.. ومن هنا، يمكن فهم العزوف النسائي عن التنظيم الذي يشير إليه البحث.

لقد اجتهدت الأطر في تشخيص الأزمة، لكنها أزاحت عن عاتقها المسؤولية، وبحثت عن سلّم النجاة للهروب من استحقاقات الإصلاح والتجديد المطلوب منها على صعيد الإمساك بأولوية البرنامج الوطني والسياسي، والزجّ بأطرها وتعبئة النساء لمواجهة الاحتلال على الأرض المصادرة لبناء المستوطنات والجدار، ومواجهة إجراءات التهويد في القدس وفي تفعيل حملة مقاطعة البضائع الإسرائيلية وفي محاربة الانقسام، وكذلك من أجل النضال الحقوقي والديمقراطي..

لقد وضعت الأطر المسؤولية على الأحزاب السياسية التي تفرض عليها التبعية، وعلى نقص الكوادر الكفؤة والقادرة على كتابة المشاريع، وعلى التمويل والمؤسسات والمراكز النسوية التي أدخلت ثقافة المشاريع والبرامج الممولة.. وهي انتقادات في محلها ولكنها تعفي نفسها من مسؤولية مراجعة دورها واشتقاق المهام والأولويات التي تعزز دورها وتستعيده.

ان الإمساك بأولوية البرنامج الوطني يقوي الأطر ويوسعها ويساهم في انتشارها، كما سيصوِّب علاقتها بالأحزاب، لأن الضعف يؤدي بها إلى التبعية عوضا عن العلاقة التبادلية، بينما القوة تجعلها ندّا يؤخذ جديا ويحقق الاستقلالية وفقا لبرنامج الإطار ولوائحه التنظيمية المتفق عليها مع الأحزاب، بما يؤدي إلى وجود المرأة في القيادة بحجمها في القاعدة في جميع التشكيلات الحزبية، بعيدا عن نظام "الكوتا" الذي فرضها الضعف وجعلها هدفاً يُسعى إليه.. وجعل الإطار معتمدا ومتواكلا عليها لسَتْر ضعفه.

ان المطالبة بالتمثل في الهيئات الحزبية بحجم المرأة في قاعدة الحزب والإطار، سيدفعها نحو الانغراس والاقتراب من القاعدة وهمومها والعمل معها وغرف العضوية منها واستعادة جماهيريتها الضائعة بمن لهن مصلحة في النضال، وهو الأمر الذي يكفل إصلاح العلاقة مع القاعدة النسوية واستعادة ثقتها وجسر الفجوات القائمة، ومن ثم تجديد ذاتها وتعليمها وتمكينها والتعلم منها ومعها.

وآخر الكلام، لا بد من إقرار الأطر النسائية بأن أزمتها قد طالت، وبأن سياسة التبرير لم تعد مقبولة لتفسير أزمتها التنظيمية. لقد اهترأت جميع المبررات بعد عشرين عاما من استخدامها، ولا بد من وقفة مواجهة للذات، واكتشاف دروس مرحلة التهميش والخبوّ والتراجع، للانطلاق نحو تجديد الرؤية لدورها السياسي بواسطة ابتداع خيارات وأنشطة تقدِّم بها نفسها للمجتمع الفلسطيني وليس للمصلحة الفئوية التي تنتمي إليها، وهو الأمر الذي لا يضير الحزب في شيء، لأن متطلبات العمل السياسي للأحزاب ومصالحها وتكتيكاتها، يختلف عن متطلبات العمل الاجتماعي والحقوقي للأطر والحركة النسائية.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]