تحت عنوان "عام التراث الشعبي واللغة العربية"، أقامت مدرسة فالدورف أمسية احتفالية مساء الأربعاء (19 حزيران الجاري)، بحضور طلاب المدرسة (صفوف الروضة وحتى الصف السادس)، بمشاركة الطاقم التدريسي والأهالي.
وجرى الاحتفال وسط أجواءٍ حماسية، حيثُ انتشر الطلاب كالفراش في قاعة بلدية شفاعمرو، محتفلين بانتهاء العام الدراسي الجديد، وعارضين ما اكتسبوه من تربية وأخلاق وعلم خلال العام الدراسي المنتهي، وما سبقه من سنواتٍ سابقة ذاخرة بالعلم والمعرفة.
وقد تميزت مربيات المدرسة بلباسهن الفلكلوري الفلسطيني العريق، فبديْن بأجمل حلةٍ وردية في المكان، وتسلمت العرافة المربية هدى خليفة التي استهلت كلمتها بالقول: "يأتي الاحتفال تحت عنوان "عام التراث الشعبي واللغة العربية"، وتحت رعاية البنك العربي الإسرائيلي، وبذلك نختتم سنة دراسية أطلقنا عليها في مدرسة فالدورف سنة التراث الشعبي الفلسطيني، ونحن هنا مدينون بالشكر لمدير المدرسة الأستاذ مارون قعبور صاحب الفكرة ورائدها، ومن واجب المدرسة بصفتها مؤسسة تربوية بامتياز أن تحترم تراث شعبها وأن تعمل على تخليده ونشره بين تلاميذها لكي تشكل نواة هويته ويرسم حدوده".
وتابعت: "إن التراث بقيمته التراثية والاجتماعية يكوّن مصدرًا تربويًا وعلميًا وفنيًا وثقافيًا واجتماعيًا، لأنّ تراكم الخبرات يكون الحضارة وتراكم المعلومات يكون الذاكرة، فقدان التراث الثقافي يعني فقدان الذاكرة".
ثم جاءت كلمة المربي ومدير المدرسة مارون قعبور فقال: "اسمحوا لي أن أشكر الجميع، لتلبية الدعوة، وأنا أتحدث باسم جمعية ثمرة الزيتون والهيئة المدرسة في مدرسة فالدورف شفاعمرو، نرحب فيكم جميعًا، السؤال لماذا التراث الشعبي؟ وباختصار وبدون أن ندخل في فلسفات، فإنّ كل واحد منا لو أمعن النظر في بداية نشأته، لانتابته حالة من الفرح وهو يتذكر كيف غمره دفء الولدين، ودفء الأجداد، وكيف أنّ هذا الدفء، ارتبط بدفء جمرات الكانون التي كانت تخفف من وطأة برد ليالي كانون وكيف أنّ هذا الدفء اختلط بدفء الأحاديث والحكايات والقصص والأغاني والأهازيج التي كانت تغذي أذهاننا وعقولنا وكياننا وتزرع فينا بذورًا كانوا نقلوها عن ابائهم وأجداد أجدادهم، وبذلك تكون جذورنا قد ضربت في الأعماق لتبقى ترتشف من ذلك من أعماق تاريخنا، الذي يحمل معه عبق آشور وبابل وسومر وكنعان من حيث ندري ولا ندري".
وتابع الأستاذ قعبور قائلاً: "إن معظم الأعراف والتقاليد والأغاني التي لا زلنا نرددها حتى اليوم تختزن ومضات لا تزال تشع منذ مئات بل وآلاف السنين، وان تواري الكثير عنا تحت ركام من زمن الإهمال والانقطاع والنسيان، لكننا كلما سبرنا أغوار التاريخ نكتشف حقائق جديدة وكنوزًا عظيمة كلها يؤكد أن هذا التراث ما هو إلا تراثنا الثقافي كبيرًا وذاخرًا، لأنه يحمل كل الحضارات: علوم، آداب، قيم، أخلاق، عادات، طموحات وحتى إخفاقات، هذا التراكم الثقافي الذي ترسخت جذوره ومراسيمه عند الأجداد انتقل إلينا مع الآباء، فمن واجبنا نحن أن ننقله إلى الأبناء، لنذكرهم بهويتنا وبأصالتنا وبارتباطنا بالأرض وبتاريخنا الجدير بعدم النسيان، حيثما وكيفما كان". مضيفًا: "مع ذلك نحن لا نتمسك بالقديم من التراث وكأنّ الحياة توقفت عنده، ولكننا نعي أهمية الحداثة، إذا تناولناها بروية، ونظرنا اليها على أنها التراث بعينه وهو ينمو ويتجدد، وما يقدمه التلاميذ في الأمسية نماذج تراثية من هذا التراث، لكنها كافية لتؤكد لنا جميعًا كم هو غنيٌ هذا التراث، وكم هو عظيمٌ حجم ما يحمه هذا المعنى".
وبين الفقرات الفنية التراثية المميّزة، كانت العريفة هدى خليفة تلقي بالمزيد من كلماتها، وبين ما قالته: "يمثّل التراث قيمة انسانية وحضارية كبرى، باعتباره ارشيفًا يسجل ذاكرة الشعوب ويوثقها، ومنع من منابع الابداع كونه نتاجًا لظروف اجتماعية ودينية، وطالما كان تراث الأمم ركزية أساسية من ركائز هويتها الثقافية وعنوان اعتزازها بذاتيتها الحضارية بماضيها وحاضرها، ولطالما كان التراث الثقافي للأمم منبع للالهام ومصدر للإبداع".
مسرحية عن "فكرة الخلق"
ثم جاءت الفقرة الفنية التي قدمها تلاميذ الصف الثالث حيثُ شاركوا في عرض مسرحية "فكرة الخلق"، (بحسب منهاج فادرف يتعلم طلاب الصف الثالث فكرة خلق الكون طبقًا للديانات السماوية)، وتسلمت مع المعلمة كيتي شعيب مشيعل مهمة تدريبهم ومرافقتهم ودعمهم سواء خلال السنة، أو أثناء عرض المسرحية.
وتلا ذلك عرضٌ للفنان سعيد سلامة، المتميّز بالإبداع في (التمثيل الصامت)، البانتوميما، وهو فنٌ راقٍ تألق فيه الفنان سلامة طوال مسيرته الفنية الممتدة منذ أعوامٍ طويلة، حتى بات جزءًا من حضارتنا، ومميزاتنا خاصةً في مدينة شفاعمرو، وهو ابنُ هذه المدينة.
طلاب الصف الثالث يغردون كالفراش في أغانٍ تراثية!
ثم عاد الصف الثالث الابتدائي لتقديم باقة من الأغنية الشعبية المرتبطة بتراثنا العربي الفلسطيني والتي تعود جذوره العَبِقة إلى تاريخٍ طويلٍ وحضاراتٍ مختلفة امتدت على مدى عصورٍ عمرها يزيد الالاف السنين، ورافق الأستاذ وسيم خشيبون طلابه في تقديم العرض، وهو مدربهم وعازف عود، حيثُ أدوا "زفة العروس"، و"على دلعونا"، و"يا طير الطاير"، وهي مزيجٌ من الأغاني الشعبية الطربية التي تخلط بين الفرح والشجن والتفاؤل والارتباط بالوطن".
طلاب الصف الخامس والسادس يبدعون في الغناء!
شدّت اغنية "جفرا" التراثية اهتمام ومسامع الحاضرين، حيثُ أبدع الطلاب في غنائهم وعزفهم وبمشاركة الفنان وسيم خشيبون، وبتدريبٍ من مربيات المدرسة بلقيس ولنا بحوث، وغيرهن، فجاءت الوصلة مزيجٌ من الفرح والعودة إلى التراث الفلسطيني العريق. وفي النهاية أدى الطلاب ومعلمو المدرسة أغنية جماعية مؤثرة تماهى معها الأهالي بفرحٍ كبير.
وفي حديثه أكدّ مدير المدرسة مارون قعبور على أهمية الرسالتان الأساسيتان من الاحتفالية، إذ قال: كان مهمًا أن نعرض نماذج مختارة من قِبل تلاميذ المدرسة أمام الجمهور الواسع، تلخّص ما قامت به من فعاليات خلال العام الدراسي الحالي، والتي تركزت في جوهرها في أهمية التراث الشعبي في بناء المركبات الأساسية لهوية تلاميذها وعلى دور هذا التراث في بناء فكرهم وتعزيز لغة الأم.
أما الرسالة الأخرى من الاحتفالية فإنّ المدرسة يهمها أن تؤكد على الخصوصية التي تتميز بها مدرستنا عن سائر المدارس التقليدية، والتي أساسها اعتماد المدرسة على النهج فالدورفي في التربية والتعليم، باعتبار مدرستنا هي المدرسة العربية الوحيدة في البلاد التي تعتمد على هذا النهج، وسيلاحظ الجمهور هذه الخصوصية من مبنى العرض وأسلوب تنفيذه.
عن مدرسة "فالدروف"، أو ثمرة الزيتون
إنّ مدرسة "فالدورف" هي نموذجٌ تعليمي حديث، ويحمل أسلوب تربية وتعليم يختلف عن التعليم المنهجي النمطي في المدارس المحلية. واستقى المربون هذا الأسلوب مِن مدرسة فالدورف التي أسسها الفيلسوف الألماني رودولف شتاينر، والذي اعتمد نظامًا جديدًا يجمع بين المواد التعليمية والفن والإبداع، معتمدًا على ثلاثة عناصر فلسفية تساهم في تطوير الطلاب حتى سن البلوغ وهي: النفس والروح والجسد. وفالدورف الشفاعمرية واحدة من مئات المدارس المنتشرة في العالم الغربي بالأساس، ويسعى مدير المدرسة مارون قعبور والمربين والأهالي للحفاظ على المناهج التعليمية كما سائر المدارس العادية، وبالأساس منهاج وزارة المعارف، وهذا يحفّز جميع الطلاب على الاستمرار في الإبداع والاعتماد على المضامين التربوية والتعليمية المرتبطة بقوميتهم العربية وبتراثهم.
ويركّز المربون في فالدروف على الإنسان في الأساس (الطالب) وأن يكون مثالاً وقدوة من خلال ما يحمله من تربية وأخلاق ومعرفة، ومن ثم التشديد على أصالة اللغة وأدواتها وتراثها الخالد، وهكذا تسعى فالدورف لجمع جميع شرائح المجتمع، ويأتي ذلك من خلال فعاليات يومية مكثفة تساعد الطلاب وتساهم في تطوره الفكري والتربوي.
[email protected]
أضف تعليق
التعليقات
كنت أود أن أعلم بشأن كيفية التقدم إلى تلك المدرسة .... أرجوا الرد