أقامت مدرسة فالدورف في مدينة شفاعمرو، مساء الأربعاء الماضي، لقاءً تربويًا جمَع أهالي طلاب المدرسة (بالأساس الصفوف الدُنيا، حتى سن 7 سنوات)، مع مربيات الصفوف.
وقد نقلت المربيات في المدرسة صورة شاملة عن الأساليب التربوية والتعليمية والفعاليات التي تُقيمها مدرسة فالدورف في المدينة.
افتتحت الأمسية المربية وصال نفاع (مدرسة منذ 8 سنوات)، وقد بدأت بالترحيب والشكر للأهالي المُشاركين وقالت: "تتمثل خلاصة واجبنا في المدرسة، نحو الطفل في منحه البيئة الأفضل حتى تتهيأ له تعليم ذاته، انما طريقه إلى الداخل، ولا يبلغ الطفل هذا الطريق بغير استيحاء من هذا النموذج الذي هُيئ له".
إنها مبادرة تربوية أبصرت النور بين ناسها بفضل رؤية ليبرالية للعمل ضمن العرف الاجتماعي العام، ما يميز هذه التربية هو الشمولية في تطرقها لخيال الطفل بأكمله من جسم ومشاعر وأفكار، بشكلٍ متكامل ومنسجم. وتأخذ هذه التربية بعين الاعتبار تنمية الطفل ومواهبه وقدرته كفرد يفكّر ويشعر ويريد، وتحظى هذه الأبعاد الثلاثة كلٌ على انفراد باهتمام خاص داخل الإطار التربوي، لُب هذه التربية هو العمل المشترك بين طاقم العاملين، على المبادرة وبين الأهل ففي تربية فالدروف الطالب هو المركز لحلقة التواصل ما بين المدرسة والبيت حيثُ إن التواصل يتمحور دائمًا بالتركيز على مصلحة الطفل ونموه. ومن أسس مبادئ مدرسة فالدروف دعوتها للتسامح والتربية على التعددية، تقبل الآخر، وفي سلم أولوياتها المحبة.
وأضافت نفاع: "نحنُ نوقد في الطالب المحبة والاحساس بالموضوع الذي يدرسه، مما يثير اهتمامه والاهتمام والمحبة محفزان للالتزام والمثابرة للموضوع، وكل ما يقوم به، أما أساليب تذويت هذه الأسس فيتم عن طريق: الايقاع والآلات الموسيقية، وتتجسد في الغناء والعزف على الناي، والمربي في تربيتنا ليس فقط مخزن معرفة وعلم انما هو انسان ومثال وقدوة لطلابه. أما الأساس الثاني فهو التشديد على أصالة اللغة وأدواتها وتراثها العريق، وهكذا تسعى فالدروف لجمع جميع شرائح المجتمع.
وعن الخريجين من المدرسة قالت نفاع: "إنّ خريج مدرسة فالدروف الحاصل على شهادة بجروت كاملة، يكتسب ايضًا ميزات اخرى هامة، اولاً ضبط النفس، الاستقلالية، قدرات التميز والنقد البناء، تقدير واحترام العالم المحيط به، انسانًا حرًا بالغًا يستطيع بقدراته الذاتية الداخلية تحديد هدفه في الحياة وايجاد معنى لذاته ووضع بصماته الخاصة في المجتمع من التغيير والتجديد.
أما المربية عايدة عواد (صف البستان) فتحدثت عن أسلوب التربية وتطور الطفل في المدرسة فقالت إنّ أهم ما ترتبط فيه مدرسة فالدروف هي نقل المعرفة والحكمة بطريقة تربوية صحيحة تخدم الطفل بصورة إنسانية.
وعن التعامل مع الطفل قالت: "إنّ الطفل يبدأ صفحة بيضاء، ويبدأ بالتعرف على الأشياء رويدًا رويدًا، وتقسم مراحل حياة الانسان إلى أجزاء، ففي مجموعة سبع سنوات، تبدأ مرحلة جديدة من حياته، حيثُ يتطور خلالها بطريقة معينة، والطفل حتى جيل سبع سنوات، تكون تربيته مسألة جدًا مهمة، لمساعدته على تذويت إرادته بالبيئة الملائمة ليتطور بالطريقة الصحيحة، فجيل من صفر حتى 7 يكون الطفل مشغولاً بتطوير جسمه، الحركة وعلينا كأهل استغلال الحركة الموجودة لديه لتطويره كما يجب، وتقديم فعاليات في المدرسة تليق بجيله وبقدراته".
وأضافت: نعتمد في المدرسة على فعاليات من الحياة التي نعيشها ولا نأتي بأشياء جاهزة ومبنية بل نعطي الطفل فعاليات مكثفة ويومية نساعد الطفل على التطور التربوي بالطريقة الصحيحة، ايمانًا مِنا بأن الطفل كالبيت، إذا كان أساسه متينًا حصلاً على صرحٍ لا يتزعزع، وهكذا هو الطفل إذا كان الجسم سليم، فإننا نُساهم بإعطائه طرق تفكير وإبداع، فالطفل يحمل بداخله إرادة وحركة واحساسه، لذا علينا أن نتعامل مع الطفل كإنسان كاملٍ متكامل وهكذا يتطور ويعطي ما لديه من قدرات، من خلال استعمال الأطراف والأجسام والاحساس.
ونبهت إلى ضرورة الحذر أثناء تلقين الطفل لأساليب التربية، فالصغير يتعلم عن طريق التقليد فقط، وهُنا يجدُر بنا الحذر من اعتماده على تقليد الآخرين، بطريقة خاطئة شرط ألا نمنعه من التنفيس عن نفسه، بحيثُ تكون البيئة ملائمة له، ومن حقه التحرك بحرية بالبيت، والتعامل معه دون ضغطٍ أو صراخ. وشدّدت عواد: أنّ طلاب الروضة والبستان يتعلمون أمور أساسية: التركيز، الإصغاء والفهم وتنفيذ التعليمات. وهذه مهمتنا من خلال إعطاء المهارات المطلوبة والتي يجب ان تكون لديه، نوصلها للطالب لكن بطرقٍ لا يشعر كيف وصلته بالعكس يصبح هناك تذويب أقوى بداخله، ويعبر أكثر.
وشرحت المربية رلى صليبا (مربية صف الروضة) بالتفصيل عن الفعاليات التي تُقام في المدرسة، كما تحدثت المربية سندس خطيب عنبتاوي عن تجربتها الشخصية في المدرسة ومع أطفالها الذين يدرسون في فالدورف.
أما المربية لنا بحوث فقالت: إنّ المدرسة لا تؤمن اطلاقًا بطريقة التدريس العادية من كتابة قراءة الخ... لا تعتمد على هذه الأنظمة، لذلك نرى في السنوات أول ثاني ثالث – نرى أن الطالب لا يشددون على القراءة والكتابة يشددون أكثر على اللغة المحكية، الايماءة، الفكر، وتذويت الثقافة لديه، من خلال حواسه وجهده وعلى الموسيقى والرسم، وسائر الفنون.
وأضافت: إنّ ما يُميّز التعليم في مدرسة فالدورف في شفاعمرو، هو التعاون بين الأهل والمربين، فالمربون يروْن أنّ بين الأهداف الرئيسية لإقامة المدرسة ونجاحها هو المساواة التامة بين جميع الطلاب، وعدم زرع روح المنافسة، بل على العكس، البحث عن نقاط القوة في الطالب، وتعزيزها، ومعالجة نقاط الضعف لطالب، من أجل بناء الثقة وتطوير مواهبه وقدراته الإبداعية.
وردًا على تساؤلات الأهالي حول التعامل مع الطلاب في ظروف تختلف فيها القدرات الذهنية ما بين الطلاب فقالت: إننا نعتمد في أسلوبنا على التواصل ما بين المدرسة والأهل، والبيئة الدراسية في المدرسة إذ لم تتواصل مع أجواء البيت فإنّ هناك اختلافًا بين العالمين وهذا الأمر يجعل من نجاح التربية أمرًا شبه مستحيل. فالهدف من تربيتنا أن نأخذ الولد كإنسان كامل بالروح وبالجسد وبالنفس وهذه الأمور الثلاثة تكتمل بالإبداع والمهارات من خلال برنامجنا، لكن في النهاية الحقيقة أنّ الولد هو بالمركز إذا كانت لديه قدرات معينة نعمل على تطويرها، وأمور يجب أن يصل اليها حسب الأساليب الدراسية، ونوصل له المهارات والمعرفة لكن في مرحلة معينة بفعل التواصل ما بيننا وبين الأهل فإننا نريد أن نعرف كل شيء عن الطفل أكله، أسلوب تعامله، تهذيبه من خلال قوانيننا. واعتبرت بحوث أنّ مدرسة فالدروف تشبه قليلاً المدرسة العربية القديمة، التي تعتمد على الأخلاق، الاحترام للآخر، الاحترام للطبيعة، احترام الكبير والصغير، وإذا اخذنا البيت العائلي العادي، وتواصلنا معه وتعاملنا بصراحة وعرفنا كيف يتصرف الطفل في بيته ونظام البيت، فإنّ هذه الأشياء تساعدنا في تربية الطالب، أما إذا عرفنا أنّ الأهل يتحدثون بطريقة أخرى لا تُناسبنا، فإننا نقول للأهل وبكل صراحة "أنتم لا تتجاوبون معنا، لذا لا نستطيع الاستمرار بتقديم خدماتنا".
وأضافت: ما أريد قوله أننا ننظر الى الطالب كإنسان متكامل، وأيضًا إلى الصف انه متكامل فالطلاب يؤثرون على بعضهم، أتعامل مع الطالب بتفهيمه خطئه، وبالتوجه إلى الأهل بصورة مباشرة، وتصبح المربية بعلاقة شخصية مع الأهل، وهكذا يحصل التغيير، نحنُ طوال الوقت يهمنا أن يكون مرتاحًا، لذا نتعرف على ما يقوم به في البيت مثل مواعيد نومه، متابعته للتفزيون، هل يهتم بسماع القصص المكتوبة؟ ومسائل إخرى، وفي ذلك أستقي من مقولة جبران خليل جبران روح التربية حين قال: أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناءُ الحياة".
بقي أن نشير أنّ الأهالي شاركوا في النقاش بشكلٍ فعال وقاموا بطرح عدة أسئلة وأبدوا اهتمامًا كبيرًا بالأسلوب التربوي والشرح الذي قدمته المربيات في المحاضرة.
[email protected]
أضف تعليق