إذا كنتم تعانون من آلام الرأس منذ عدة أيام، وإذا لم يكن أي نوع من الأدوية المسكنة مفيدا بالقضاء على هذا الألم، فلربما لم يعد أمامكم إلا البحث في الإنترنت، لتكتشفوا أن هناك احتمالا لأن تكونوا مصابين بورم في الدماغ!!!

كما هو معلوم في بلادنا، فإن حجز دور لدى طبيب الأعصاب قد يحتاج لعدة أسابيع، أما إذا توجهتم فورا لغرفة الطوارئ في المستشفى، فقد يتعاملون معكم هناك بشيء من الاستخفاف، بحيث يصعب عليهم إقناعكم بأنكم لا تعانون من ورم في الدماغ.

كيف بإمكاننا إذا أن نعرف إن كان ألم الرأس مؤشرَ خطر؟!

تريدون مثالا؟! توجّه شاب في الثالثة والعشرين من العمر إلى غرفة الطوارئ في المستشفى شاكيا من نوبات ألم قصيرة في الرأس، والتي عادة ما كانت تباغته خلال ساعات الصباح. بعد أن فحصه الأطباء، كانوا على يقين بأن الأمر لا يتعدى بعض آلام الرأس الناتجة عن ضغط نفسي زائد، ووصفوا له بعض الأدوية المسكّنة. لكن لاحقا بدأ الشاب يعاني من الغثيان والتقيؤ، فتوجه مرة أخرى لطبيب الأعصاب الذي أكد له أنه يعاني من الشقيقة (الصداع النصفي)، ووصف له دواءً من عائلة التريبتان.

لكن، وبعد أن لم يساعده هذا العلاج أيضا بالتغلب على المشكلة، توجه إلى عيادة آلام الرأس. وخلال فحص عصبي شامل، تضمن فحص تنظير قاع العين (fundoscopy)، تبين أنه يعاني من وجود وذمة في منطقة البقع الشبكية – وهي حالة تحدث عند ارتفاع الضغط داخل الجمجمة، نتيجة لنمو أو وجود جسم يحتل حيّز الجمجمة. عندها تم تحويله لإجراء فحص تصوير مقطعي محوسب (CT) لمنطقة الرأس، ومن ثم تصوير بالرنين المغناطيسي (MRI)، فتبين أنه يعاني من ورم دماغي خطير، تعتبر احتمالات الصمود والنجاة عند الإصابة به قليلة جدا.

لحسن حظ هذا الشاب، بعد أن تم استئصال الورم، وبعد خضوعه للعلاج الكيميائي والعلاج بالأشعة، لم يتم تشخيص عودة لظهور الورم خلال السنوات الخمس التالية. الأمر الذي يعني أن الشاب شفي تماما.

هل بالإمكان التعامل مع هذا المثال كمثال يعكس الواقع؟! الجواب هو قطعا لا! ففي أكثر من 99% من الحالات لا تكون آلام الرأس نابعة من ورم دماغي. لكن لدى شخص واحد من أصل كل 16 ألف شخص يعانون من آلام الرأس، يكون الألم ناتجا عن ورم دماغي أولي (أصلي).

ينتج الورم الدماغي عن نمو خلايا الدماغ بصورة خارجة عن السيطرة. ويتم تقسيم أنواع الأورام لنوعين: الأورام الأولية – التي يكون أصلها في خلايا الدماغ، أو الأورام الثانوية (النقائل) التي عادة ما تكون قادمة من أورام في أعضاء أخرى بالجسم.

لدى الأطفال، تميل هذه الأورام للظهور في الجزء الخلفي من الرأس، أو في الحجيرة الخلفية. أما لدى البالغين، ففي الثلثين الأماميين من الرأس.

بالإمكان أن تكون الأورام الدماغية حميدة – محصورة في مكان محدد، ولا تكون خطيرة أو خبيثة بالغالب – لكنها بالمقابل، من الممكن أن تكون انتشارية تخترق وتقتحم المناطق التي تعتبر خطيرة، حيث من الممكن أن تكون، في بعض الحالات، عنيفة وخطيرة جدا.

من الواضح أنه ليست هنالك طريقة بسيطة لمعرفة ما إذا كان ألم الرأس نابعا من وجود ورم دماغي أو لا، لكن هناك بعض الإشارات التي من الممكن أن ترمز لوجود خلل خطير لدينا:

1. آلام رأس غير طبيعية

إذا لم تكونوا تعانون من آلام الرأس بشكل عام، أو إذا كانت طبيعة الألم الذي تشعرون به حاليا مختلفة تماما عمّا كنتم تشعرون به حتى الآن، فإن هذه الإشارة قد تكون سيئة.

2. آلام رأس مصحوبة بأعراض أخرى

من النادر جدا أن يسبب الورم الدماغي آلام رأس فقط دون ظهور أعراض أخرى. بالعادة، تكون الآلام مصحوبة بأعراض مثل الغثيان، التقيؤ والدوار.

في بعض الأحيان، تكون الأعراض أكثر شدّة ووضوحا، مثل نوبات الحمى، صعوبة الكلام، ضعف في إحدى اليدين أو الرجلين، تشويش الرؤية، وغير ذلك.

3. نوبات ألم عند الاستيقاظ من النوم بالأساس

تبدأ آلام الرأس الناتجة عن وجود ورم دماغي، والتي عادة ما تكون مصحوبة بالغثيان والتقيؤ، بشكل طبيعي في ساعات الصباح، بعد الاستلقاء لساعات طويلة، بينما تبدأ بالتراجع خلال ساعات النهار.

أما آلام الرأس التي تبدأ عند الصباح أو الظهيرة، وتشتد مع مرور الوقت خلال اليوم، فإنها عادة ما لا تكون مرتبطة بالأورام الدماغية، ويكون من المنطقي الاعتقاد أنها مرتبطة بالضغط النفسي.

4. آلام تشتد مع مرور الزمن

إذا كانت الآلام تميل للمزيد من الحدّة مع مرور الأيام، الأسابيع أو حتى الأشهر، فإن هذا المؤشر قد يكون خطيرا.

ولكن، وعلى الرغم من كل ما قيل، لا بد من الإشارة إلى أن 50% - 60% من المصابين بالأورام الدماغية لا يعانون مطلقا من آلام الرأس. كما أنه من الممكن أن تكون آلام الرأس التي تعانون منها شبيهة بأي واحد من الأمثلة المذكورة أعلاه، ومع ذلك فإنكم لا تعانون من الأورام الدماغية.
كذلك، قد يصح الوضع العكسي، أي أن تكونوا تعانون من وجود أورام دماغية، ومع ذلك فإن آلام رأسكم لا تشبه الأمثلة المذكورة في هذه المادة. أي أن ألم الرأس إذا لم يكن شبيها بهذه الأمثلة، فهذا لا يعني بالضرورة أنكم لا تعانون من الأورام الدماغية.

وفي النهاية، علينا أن نتذكر دائما أن الأمثلة هي أمثلة فقط، والإشارات لا تتعدى كونها إشارات. أما إذا كان في داخلكم صوت أو شعور يقول إنكم تعانون من شيء ما ليس على ما يرام، فلا بد لكم من الاستماع إلى هذا الصوت، والتوجه للفحص فورا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]