هناك لحظات تخترق فيها الإنسانية كل الحدود: حدود الدين، والقومية، والثقافة، والسياسة. لحظات يتخذ فيها إنسان واحد، في جزء من الثانية، قرارًا يذكّرنا جميعًا بمن يجب أن نكون. واحدة من هذه اللحظات وقعت على شاطئ بونداي في سيدني، حين اندفع أحمد الأحمد، بائع فواكه بسيط، نحو إرهابي خلال احتفال بعيد الحانوكا، وعرّض حياته للخطر من أجل إنقاذ حياة الآخرين.

لم يقف أحمد متفرجًا. لم يتردد، ولم يحاول أن يعرف من هم الضحايا، ولا ما هي ديانتهم، ولا ما جنسيتهم. ما رآه أمام عينيه كان ظلمًا واضحًا ومحاولة لقتل أبرياء. فتصرف. كان ذلك فعلًا إنسانيًا خالصًا، لا يحتاج إلى أيديولوجيا ولا إلى خطاب ولا إلى تبرير. فقط اختيار حاسم بين اللامبالاة والمسؤولية، بين الخوف والشجاعة.

في عالم يكثر فيه الحديث عن الهويات والانقسامات والخطوط الفاصلة، يذكّرنا فعل أحمد بحقيقة بسيطة وقديمة: إنقاذ الأرواح قيمة كونية. لا تنتمي إلى دين معيّن، ولا إلى شعب معيّن، ولا إلى علم معيّن. إنها تنتمي إلى البشر جميعًا. لقد وُلدنا جميعًا على صورة الإنسان، وأفعالنا—لا معتقداتنا—هي التي تحدد حقيقتنا.

هذه القصة ليست بعيدة عنا. هنا، في منطقتنا، كل يوم، أطباء ومسعفون وأفراد طواقم طبية عرب ينقذون الأرواح في المستشفيات، وفي سيارات الإسعاف، وفي غرف الطوارئ، وفي مواقع الحوادث. لا يسألون من هو المريض أمامهم، ولا إلى أي إله يصلي، ولا ما هي لغته. وكذلك الحال مع طواقم الإنقاذ الأخرى: رجال الإطفاء، والمسعفون، والمتطوعون، ومواطنون عاديون يهبّون للمساعدة في لحظات الخطر، مدفوعين بنداء إنساني واحد.

الإرهاب يسعى إلى تمزيق المجتمعات وتحويلها إلى معسكرات متعادية. يتغذّى على الخوف والكراهية والانقسام. أما ما فعله أحمد الأحمد، فهو نقيض ذلك تمامًا. إنه فعل يوحّد، ويقول بصوت هادئ لكنه قوي: هناك قيم أسمى من كل خلاف. الحياة نفسها.

لذلك، شكرًا لك يا أحمد الأسترالي. شكرًا على شجاعتك، وعلى إنسانيتك، وعلى اختيارك أن تتحرك لا أن تتجمّد. شكرًا لأنك ذكّرتنا بأن الدين، في لحظات الحقيقة، ليس هو المهم—الإنسان هو المهم.



كاتب المقال يورام دوري عضو إدارة حزب "معا ننجح"- القائمة العربية اليهودية المشتركة

صورة يورام تصوير شخصي

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]