شهدت الولايات المتحدة هذا الأسبوع زيارة هي الأبرز في المشهد الشرق أوسطي منذ سنوات، حيث وصل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان إلى واشنطن في أول زيارة رسمية منذ نحو عقد كامل. زيارة تأتي في توقيت إقليمي حساس، وسط تحولات سياسية وعسكرية واسعة، وتراجع في مكانة بعض القوى التقليدية، وبروز تحديات جديدة على مستوى الأمن والطاقة والاقتصاد.

وتطرح الزيارة أسئلة محورية حول مستقبل العلاقات السعودية–الأمريكية، وتوازنات القوى في الشرق الأوسط، واحتمالات استئناف مسار التطبيع مع إسرائيل.

وفي حديث لموقع بكرا مع د. ثائر أبو راس، المحلل السياسي، قدّم قراءة معمّقة لأهمية هذه الزيارة وما قد تحمله من تغييرات استراتيجية للمنطقة بأكملها.

عودة السعودية إلى مركز المشهد الإقليمي

يقول د. أبو راس إن الزيارة تحمل أهمية استثنائية للسعودية، خاصة أن العلاقة الأمريكية–السعودية شهدت خلال السنوات الأخيرة تغيرات كبيرة. ويوضح: "دخول ترامب البيت الأبيض عملياً أعاد الروح للعلاقة بين واشنطن والرياض بعد سنوات كانت فيها السعودية خارج مركز الضوء مقارنة بدول خليجية أخرى مثل الإمارات وقطر."

ويشير إلى أن السعودية تعود اليوم لتلعب دوراً محورياً في المنطقة، مدعومة باستثمارات ضخمة في الولايات المتحدة قد ترتفع من 600 مليار دولار إلى تريليون، ما اعتبره "أكبر استثمار أجنبي في تاريخ الولايات المتحدة."

كما وقّعت واشنطن والرياض اتفاقية تمنح السعودية صفة حليف مركزي خارج الناتو، إلى جانب حصولها على تكنولوجيا عسكرية متقدمة تشمل طائرات F-35 والتكنولوجيا النووية السلمية، وهي مطالب سعت إليها المملكة منذ سنوات طويلة.

هل تقترب السعودية من اتفاقيات إبراهيم؟

يؤكد د. أبو راس أن السعودية كانت على وشك التوقيع قبل أحداث 7 أكتوبر، لكن العقبات اليوم أصبحت أكثر تعقيداً:

1. الملف الفلسطيني

"الاعتراف بالدولة الفلسطينية شرط رئيسي لا تستطيع السعودية تجاوزه."

2. الحكومة الإسرائيلية الحالية

يقول: "التطرف والعنصرية في الحكومة الإسرائيلية يجعل تمرير التطبيع أمام الرأي العام السعودي أمراً بالغ الصعوبة."
ويستشهد بتصريحات وزير المالية بتسلئيل سموتريتش تجاه السعودية والتي وصفها بأنها “مستهجنة وعنصرية”.

3. تراجع جاذبية إسرائيل دولياً

يوضح: "سمعة إسرائيل في الحضيض، وهناك مقاطعة خفية لها. اليوم حاجة إسرائيل للسعودية أكبر من حاجة السعودية لها."
ويضيف أن الرياض تمتلك علاقات جيدة مع إسرائيل "من تحت الطاولة"، ولا ترى ضرورة للإعلان العلني في ظل الظروف الحالية.

السعودية تفضّل الانتظار وإعادة ترتيب التحالفات

بحسب د. أبو راس، تتبع السعودية حالياً استراتيجية التريث، مع تعزيز علاقاتها مع باكستان وبحث تقارب أكبر مع إيران، خاصة بعد الحرب الأخيرة.

ويقول: "ليس من مصلحة السعودية إعلان التطبيع الآن. الوضع الفلسطيني المأساوي، والتوترات في المسجد الأقصى، يجعلون أي خطوة علنية مخاطرة سياسية كبيرة داخل المملكة والعالم الإسلامي."

صفقة F-35: هل تضرب التفوق العسكري الإسرائيلي؟

يرى د. أبو راس أن حصول السعودية على مقاتلات F-35 لا يضعف إسرائيل عسكرياً مباشرة، نظراً لوجود تقنيات خاصة في النسخة الإسرائيلية. لكنه يعتبر الأمر تحولاً استراتيجياً خطيراً: "لأول مرة منذ خمسين عاماً، يتم المسّ بمبدأ التفوق النوعي العسكري لإسرائيل. هذا قد يضعف مكانتها الاستراتيجية في السنوات المقبلة، خصوصاً مع تراجع الدعم الشعبي لها داخل الولايات المتحدة."

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]