مجتمعنا العربي يعاني من عدة آفات ولعل أبرزها ظاهرة العنف التي تتفشى في كل مكان، في البيت، في المدرسة، في الشارع، في مكان العمل، وحتى في المستشفيات. ما أن تستيقظ صباحًا إلا وقد سمعت عن إطلاق نار هنا أو هناك، قتلى ومصابين، وذلك بدلًا من أن نتجند سويّة كي نواجه السياسة العنصرية، نحارب بعضنا البعض. هناك من سيقول بأن السلطات هي من تغذي العنف جريًا على قاعدة "فرّق تسد"، وقد تكون الشرطة وجهاز المخابرات فرحين كوننا نحارب بعضنا البعض، ولكن السؤال: هل يجب أن نستسلم سائرين وفقًا للمثل الشعبي الذي يقول: من لا يستطيع مناطحة الفحل يناطح السخل؟ وهكذا نصبح في ظل العنف المستشري، مجرد قطيع من الماعز. مؤسف جدًا ما آل إليه وضعنا الذي نتحمل نحن القسط الأكبر فيه.

الله سبحانه وتعالى، الأنبياء والرسل دعوا إلى التسامح، وبالرغم من ذلك نجد أن المتعصبين هم أكثر الناس يمارسون العنف. كل يعفي نفسه ويرمي المسؤولية على غيره دون جهد حقيقي، أو أننا نبدأ بمعالجة الظاهرة بعد أن تكون مدت جذورها عميقًا فينا. لا أريد أن أسترسل في إدراج الآيات الكريمة التي دعت إلى التسامح أو إلى ما قاله الأنبياء والحكماء لأن الكثير ممن سيطروا على المشهد الديني حرفوا مفاهيمه وعملوا بالعكس تمامًا. كما أن محاولة محاربة العنف طُرقت بطرق لم تؤتِ ثمارها كما يجب.

من هنا بودي أن أطرق الموضوع من جانب آخر وهو المجال الغنائي. لن أغوص عميقًا في هذا البحر وسأكتفي بما تسعفني به الذاكرة. “جارة القمر” السيدة فيروز تقول في أغنيتها "سوا ربينا":
"سوا ربينا.. وسوا مشينا.. وسوا قضّينا ليالينا
معقول الفراق يمحي ليالينا.. وحنا سوا ربينا"
كلمات بسيطة ومباشرة، ولكن فيها تذكير بالليالي الجميلة التي قضيناها معًا، ومناجاة روحية عميقة.

الموسيقار ملحم بركات الذي ينظم ويلحن ويغني قد عبّر عن مدى أهمية التسامح، وأهمية الزمن ونسيان الماضي، في أغنيته "تعا ننسى":
"تعا ننسى.. تعا ننسى أيام اللي راحت
أيام العذاب المرة وسنين اللي ضاعت
جروحك وجروحي يشفيها النسيان
ما بينك وبيني أقوى من الزمان"
كلمات غاية في الروعة، تدعو لأن نبدأ حياتنا من جديد، وتذكّر بأن المحبة أقوى من الخلاف.

أما وديع الصافي فيخاطب ابنته التي أهملته وأهانته في أغنية "يا بنتي":
"أنا قلبي انكسر.. يا ما عذبتي فيّ
أنا ما بكيت.. أنا قلبي اللي بكى
يا بنتي أنا قلبي مسامح
كرمالك بنسى مبارح"
هذا هو قلب الأب؛ رغم الألم ينسى ويسامح.

وها هو فريد الأطرش ينشد في "صالحني وسلم بيدك":
"اللي قديمك ما يفيدك"
فنحن — كما يشير — نعجز عن قول “أنا آسف”، لأن الكثير يرى الاعتذار انتقاصًا من مكانته، بينما هو فضيلة.
ووردّة تقول في "سمحتك":
"سامحتك كتير.. سامحتك بقلبي الكبير
مش غصب عني ولا ضعف مني.. لكن لأني بحب بضمير"
وهنا إشارة إلى أنّ الضمير يجب أن يكون الميزان الذي يوجّه سلوكنا.

وجورج وسوف يقول في "من هنا ورايح":
"من هنا ورايح أنا قلبي حيسامح
وإن قالوا قلبي جريح أحسن ما يقولوا جارح"
وهو يختصر الحكمة: دواء مشاكلنا واضح وفي متناول اليد، إذا حكمنا العقل.

وأم كلثوم تنشد في "فكروني":
"آه يا حبيبي الحياة أيام قليلة
ليه نضيع عمرنا هجر وخصام
وإحنا نقدر نخلق الدنيا الجميلة"
وهكذا، إذا ارتقينا فوق انفعالاتنا، نستطيع تغيير حياتنا للأحسن، فالحياة قصيرة ويجب استغلالها جيدًا.

وفي الخليج، يعترف طلال مداح بخطئه في "أنا غلطان":
"أنا الغلطان ومتأسف
تراني خلاص متلهف لكلمة صلح
أنا اتسرعت بكلمة زل بها لساني"
كم من مرة كانت زلة اللسان سبب خراب!
ويأتي فهد الكبيسي ليقول:
"بدنا نتسامح.. ننسى الخطأ ونعذر الغلطان
بدنا نتصالح مع بعضنا وننسى اللي كان
وش تسوى هالدنيا لما نخسر من بيننا إنسان؟"

صالح هليل ينشد:
"شو بدنا نساوي العمر رايح
مرة نزعل مرة نسامح"
حقًا العمر يمضي بسرعة، والوقت لا ينتظر أحدًا. وفي النزاعات لا يوجد منتصر حقيقي، فالكل خاسر.

ويقول أحمد المغني:
"سامح واصفح واغفر واعفو
قدرك يعلو
سامح وتعايش كي ترقى
كي يصبح المجتمع أقوى"
فالكلمات تعكس العلاقة بين التسامح ورقيّ المجتمع؛ المتسامح يسمو.

واختتامًا، يقال إنّ التسامح من المروءة، وهو الذي يدفعنا إلى الأمام. خير مثال: اليابان. فبعد أن ألقت الولايات المتحدة قنبلتين ذريتين على هيروشيما وناكازاكي، جلست القيادة اليابانية وقررت:
أنظارنا إلى الأمام فقط.
والنتيجة: أصبحت اليابان قوة صناعية عالمية تنافس الدول الكبرى وخاصة في صناعة السيارات.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]