بقلم: د. غزال أبو ريا--المركز القطري للوساطة والسلم الأهلي
متى ستُشرعن ثقافة السلام في عالمنا، مقابل ثقافة الحرب والهدم؟
متى تتبنى الشعوب قيم التعايش والتعاون، ليطيب العيش على هذه الأرض التي قال عنها الشاعر محمود درويش: “على هذه الأرض ما يستحق الحياة”؟
إن الصراع المستديم، كما يؤكد أستاذي البروفيسور أدير كوهين في كتابه “وجوه قبيحة في المرآة”, يقود إلى مواقف خطيرة، إذ تميل أطراف النزاع إلى نزع الإنسانية عن الطرف الآخر لتبرير أفعالها. وهذا ثمن باهظ يدفعه الجميع، لأن فقدان الرؤية الإنسانية هو بداية فقداننا لجوهرنا كبشر.
ولو كُرِّست الموارد التي تُوظَّف في الحروب لبناء السلام، لحُلّت مشاكل العالم، وودّعنا الفقر والمجاعة، ولأُعيد توجيه العلم نحو الرفاه والبناء بدل أن يُسخَّر للسلاح والدمار. فكم من عقولٍ أُبدعت لتُصنع آلات القتل، بينما كان يمكن أن تُبدع في شفاء الأمراض وإضاءة المستقبل!
وعلّمنا التاريخ أن الحرب، مهما طالت، لا بد أن تنتهي بالسلام. فلماذا لا نختصر الطريق ونبدأ به؟
تعالوا نتعلم كيف ندافع عن السلام لا كيف نبرّر الحرب.
كفى تطوير وسائل دفاعية تُخفي خلفها نوايا هجومية، وكفى تبريرًا للعنف باسم “الردع”. الدفاع الحقيقي هو في بناء الثقة، في الكلمة الصادقة، في العدالة، وفي رؤية الإنسان فيمن يقف أمامنا.
وهنا، أتوجه إلى القيادات السياسية في العالم:
امنحوا شعوبكم الأمل ليومٍ جديدٍ يُكتب فيه السلام، لا يوم الحرب.
ازرعوا الطمأنينة بدل الخوف، وأرسلوا رسائل أمان لا تهديد.
فالشعوب لا تحتاج إلى أن تُخاف لتطيع، بل أن تؤمن لتتبع.
القائد الحقيقي هو من يوقظ الأمل لا القلق، ومن يصنع السلام لا ينتظره.
ولعلّ الأدب والشعر كانا دائمًا صوت الضمير الإنساني في وجه الحروب. فقد كتب محمود درويش عن السلام بوصفه حياة وكرامة، وجبران خليل جبران رأى أنه ينبع من الروح، بينما دعا إيليا أبو ماضي إلى الجمال والتسامح كطريقين للسلام. كما نادى نزار قباني بسلام الكلمة لا سيف القصيدة، وذكّرنا أحمد شوقي بأن السلام أمانة الله على الأرض. أما في الأدب العالمي، فقد عبّر تولستوي في الحرب والسلام عن الصراع الإنساني بين الدمار والطمأنينة، وكتب طاغور ونيرودا ومارتن لوثر كينغ وجون لينون عن السلام كقيمة إنسانية لا حدود لها.
فالسلام ليس ضعفًا، بل شجاعةٌ أخلاقية ورؤية بعيدة المدى.
إنه الطريق الأصعب، لكنه الوحيد الذي يضمن لنا أن نبقى بشرًا.
[email protected]
أضف تعليق