إعداد : الشيخ أمير نفار – عضو حركة الدعوة والإصلاح
"كان زاهدًا، عابدًا، ربانيًا، بعيد الصيت، كثير الأتباع...." يكفي لوصفٍ واحدٍ من هذه الأوصاف أن تتمثل اليوم في شخصٍ ليُتابَع أو يُتّبع، بخاصة إذا كان بعيد الصيت – مشهورًا – كثير الأتباع والمتابعين.... وإذ بالإمام الذهبي رحمه الله الذي خط لنا تلك الأوصاف، يُعطينا منهجية في تلقي العلم والاتباع فيقول عن هذا الشخص الزاهد العابد المشهور كثير الأتباع: " ولكنه يروي الواهيات " ويقول عنه أيضًا : " خُذل حتى التقط من المذاهب أرداها، ومن الأحاديث أوهاها...".

لقد طاحت تلك الألقاب ولم تسحر أعين العلماء الراسخين لأن معهم عصاة العلم يتوكؤون عليها، ويلقونها لتكون الميزان الحاكم على الرجال فتلقف ما يأفكون... ميزان خطه العلماء من قديم بعبارات متنوعة لمقصود واحد: "دينك دينك، لحمك ودمك، فانظر عمن تأخذ" واستخلص التابعي الجليل محمد بن سيرين القاعدة المشهورة في هذا الباب فقال: "إن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم "... فأخذ العلم عن فلان وعلان دون النظر والتمحيص، والاكتفاء ببعض العلامات والإشارات وبُعد الصيت – الشهرة – وكثرة الأتباع، قد يؤدي بالإنسان إلى الهلاك، وذلك لأسباب عديدة منها وجود:

1- أئمة مضلون: قال رسولنا صلى الله عليه وسلم: "إن أخوف ما أخاف عليكم الأئمة المُضلون"، وقال سيدنا عمر رضي الله عنه: "إن الزمان ينهدم بزلة العالم، وجدال المنافق، أو أئمة مضلون".

2- من يتكلم بغير علم: قال إمامنا الشافعي رحمه الله: "الواجب على العالمين أن لا يقولوا إلا من حيث علموا، وقد تكلم في العلم من لو أمسك عن بعض ما تكلم فيه منه لكان الإمساك أولى به وأقرب من السلامة له إن شاء الله".

لذلك انبرت أقلام العلماء قديمًا وحديثًا بتذكير الأمة بمنهج أسلافها في أخذ العلم وتلقي الفهم والرجوع إلى الفتوى، لكي تخرج من حالة التيه والشتات، فوضعوا القواعد والمعالم التي من شأنها الكشف عن مناهج الطلب والتلقي كأن يُعرف العالم بطلب العلم وملازمة العلماء، ومعرفة شيوخه الذين أخذ عنهم، وكلام أهل العلم وشهادتهم به... وغيرها الكثير مما هو مدوّن معروف في هذا الباب.

ومن الناحية العملية: يُنصح المسلم بالتفقه والتحصن قبل ولوج هذا المعترك وساحته -وسائل التواصل الاجتماعي خاصة- من خلال الالتحاق ببرامج علمية وشرعية موثوقة، نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر : كلية الدعوة والعلوم الإسلامية -أم الفحم، وبخاصة المواد التالية:
1- مساق تاريخ التشريع الإسلامي: الذي من خلاله يتعرف الطالب على أدوار الفقه الإسلامي ومناهجه وخصائصه منذ عصر التشريع إلى الوقت الحاضر، ويمتلك الأدوات الأولية لمعرفة الخط الفقهي والمعرفي الأصيل لأهل السنة والجماعة.

2- مساق الثقافة الإسلامية: الذي من خلاله يتعرف الطالب على أهم أصول وقواعد أهل السنة والجماعة (الفكرية – الأصولية – العقائدية – الفقهية – التربوية )، التي يمكن أن تشكل ميثاقًا للشيوخ والدعاة، يجتمعون عليه وينطلقون منه.

3- مساق الهدي النبوي: الذي من خلاله يتعرف الطالب على أدوار علم التزكية ومدارسه ومناهجه وأبرز أعلامه منذ عصر التشريع إلى الوقت الحاضر، ويمتلك الأدوات الأولية لمعرفة خط السير السني الصحيح لهذا العلم، ومحطات الانحراف، وأسبابه وكيفية التعامل معه وسبل تلافيه.
ومما لا شك فيه أن هذا الذي ذُكر لا يغني عن بقية المواد والعلوم، كأصول الفقه والعقيدة، والسيرة النبوية، وما يتعلق بعلوم القرآن والسنة النبوية... كما لا يغني عن القراءة الذاتية، وسؤال أهل الاختصاص.

ختامًا: أخي المسلم، أول مقاصد الشريعة: حفظ الدين، فالدين أولى وأغلى ما يجب الاهتمام به، والعناية به، وأن يأخذه المسلم من مصادره الموثوقة من الصدور والسطور، وألا يجازف فيفتح أذنه، وقلبه، ويتبع أهل الشذوذ والضياع والزيغ، فيضل ويضيع ويخسر في الدنيا والآخرة، فالجادة هو ما عليه سواد الأمة الأعظم من العلماء العاملين، فإن ظفر بهم فعليه أن يعض عليهم بالنواجذ، فهم في الأرض كالنجوم في السماء، يُهتدى بها في ظلمات البر والبحر.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]