في السابع من أكتوبر قبل عامين بالتمام، تعرّضنا لمذبحة مروّعة نفذتها حركة حماس التي اجتاحت بلدات إسرائيلية، وارتكبت قتلًا وخطفًا وتعذيبًا، وأطلقت آلاف الصواريخ. في ذلك اليوم قُتل 1,200 مواطن إسرائيلي، وخُطف 250 مواطنًا إلى غزة. كما كتب نير حسّون في «هآرتس»: الشمس لم تغب بعد عن يوم السابع من أكتوبر 2023. جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبتها حماس لا تزال تجتاح وجدان مواطني إسرائيل؛ الصدمة لم تُعالَج بعد، وبسبب تقاعس الحكومة الإسرائيلية لا يزال 48 من المختطفين الإسرائيليين محتجزين لدى حماس في أنفاق غزة.
لا يمكن إنكار الصدمة التي أصابتنا كإسرائيليين في السابع من أكتوبر. صدمة سنعيش معها إلى الأبد. لكن إلى جانب الصدمة التي أصابتنا يومها بسبب هجوم حماس، بدأت في ذلك اليوم أيضًا صدمة ثانية سترافقنا لبقية حياتنا، وأكتب هذه الكلمات كرسالة لكل اخوتي وأخواتي اليهود الإسرائيليين: الرد الإسرائيلي على هجوم حماس، الذي انطلق في اليوم نفسه مع الدعوات الأولى من وزراء الحكومة وأعضاء الائتلاف لمحو غزة، "إرجاعهم إلى العصر الحجري"، "تسوية غزة بالأرض"، وتجويعها وتدميرها. بَدَت بوادر أوامر الإبادة وتدمير غزة واضحة في ذلك اليوم نفسه، ومنذئذٍ وانشغلت الدولة بتنفيذها.
بعد عامين، دُمّرت غزة. ومعها دُمر أيضًا المجتمع الإسرائيلي. بعد عامين، لم يُزهق فقط آلاف الأرواح—بحسب التقديرات قُتل نحو عشرين ألف طفل في غزة وآلاف البالغين—بل قُتل أيضاً مستقبل الشعبين على هذه الأرض. بعد عامين، لم نكن أبداً أكثر ظلامًا أو أقرب إلى قاع الهاوية. في إسرائيل السابع من أكتوبر 2025، تتعرّض أبسط مظاهر التعاطف الانساني للهجوم. التضامن، والرحمة، والاهتمام بالآخر—كل ذلك صار غريبًا ومنبوذًا. في إسرائيل بعد عامين يهيمن السياسيان المتطرفان سموتريتش وبن غفير بلا منافسة سياسية؛ حتى خصومهم في المعارضة لا يتصدون لهم.
بعد عامين، وما زلنا لم نفهم كأمة ومجتمع أن مستقبلنا لا يمكن أن ينفصل عن مستقبل الفلسطينيين. إذا خسروا وتدمروا، فسنخسر ونُدمّر أيضًا. بعد عامين، وما زلنا لم ندرك أن في هذه البلاد بالذات، إما أن يزدهر الشعبان معًا بسلام وتعايش مشترك، أو أن يسبحا معًا في أنهار من دماء.
بعد عامين، ما زلنا نخوض حربًا مدمرة في غزة وفي الضفة الغربية في ذات الوقت. بعد عامين، ما زلنا نحاول خنق وسحق تطلعات الفلسطينيين الذين يعيشون معنا في هذه البلاد الى الاستقلال والعيش بكرامة. بعد عامين، ما زلنا نخشى حتى لفظة "دولة فلسطينية" ونمتنع عن نطق كلمة "سلام".
بعد عامين، نفد صبر العالم، وصارت إسرائيل متهمة ومنبوذة. من السهل علينا أن نصف أي نقد بـ"معاداة السامية"، وأسهل من ذلك أن نرفض ببساطة أية وجهة نظر مخالفة. لكن الدول التي وقفت فورًا إلى جانب إسرائيل في السابع من أكتوبر هي نفسها التي تحاول اليوم أن تصرخ في وجهنا أمام الفظائع التي نرتكبها في غزة وتقول ببساطة: "توقفوا".
بعد عامين، لا بد أن ندرك أن الواقع في إسرائيل وفي الأراضي الفلسطينية تغيّر إلى الأبد. لن نعود إلى السادس من أكتوبر؛ وفي بعض النواحي قد يكون هذا جيدًا. لسنوات عديدة عشنا في حالة إنكار، رفضنا النظر إلى الحقيقة. لسنوات قبل السابع من أكتوبر تصرّفنا كما لو أن الفلسطينيين غير موجودين إلى جانبنا—يعيشون تحت احتلال ونظام تمييزي، تحت سيطرة عسكرية عنيفة لعقود، بلا حقوق مدنية كاملة، بلا حريات أساسية. كنا نتصرّف كأن هذا الوضع لن ينفجر أبدًا. ثم انفجر، بأقسى صورة يمكن تصورها.
الآن، بعد عامين، بات من واجبنا مواجهة الواقع. علينا أن نفهم أننا ملزمون بوقف الإبادة في غزة، ووقف قتل الرجال والنساء والأطفال يوميًا، ووضع حدّ لتجاهل المختطفين. بل إن من واجبنا أن نتقدّم من هنا إلى الأمام. من وقف إطلاق نار شامل وانسحاب من غزة، يجب أن نتبنى مسارًا نحو سلام إسرائيلي–فلسطيني شامل. معناه بسيط: كل شخص يعيش في هذه الأرض من نهر الأردن إلى البحر—من أطراف الجليل إلى إيلات—يحق له أن يعيش بحرية وأمان ومساواة، وأن يكون مواطنًا في دولة مستقلة، إسرائيل أو فلسطين. هذه هي الطريق الوحيدة إلى الأمام.
نحن الآن، مرة أخرى، في أيام دراماتيكية، فرصة لوقف إطلاق النار ولإبرام اتفاق وإطلاق سراح المختطفين حقيقية وملموسة. لكن ما يجب أن نأمل ونطلب تحقيقه في السابع من أكتوبر 2025، بعد عامين، هو إنهاء هذا الفصل الرهيب في تاريخ هذه البلاد. أن نتجاوز صدمة السابع من أكتوبر وصدمة الرد عليها. أن نسمح للشمس أن تغرب أخيرًا. ومن هذه الصدمات يمكن أن ننهض لشروق يوم جديد تمامًا—صباح يكون أخيرًا، صباح يوم السلام الإسرائيلي–الفلسطيني.

الكاتب- مدير قُطري مشارك في حراك نقف معا.

استعمال المضامين بموجب بند 27 أ لقانون الحقوق الأدبية لسنة 2007، يرجى ارسال رسالة الى:
[email protected]